تطلق كلمة الربيع على فصل من فصول السنة، يتميز بأحوال مناخيه معتدلة، كما ينظر إليه بأنه وقت النمو والتجديد، إضافة إلى أنه وقت الذي يشهد ميلاد جديدة لكل من النبات والحيوان، حين يقترب تسري الحركة في عالم الأحياء، لتزهر النفوس، وتثمر العقول وتتجلى القلوب.
يأتي الربيع فتزهر الحياة ويهب نسيمها العليل وتعانق ورودها ويسحرنا جمالها، وفي هذا الفصل تزهر أزهارا خاصة لا توجد في باقي الفصول كزهرة شقائق النعمان، يجسد الربيع عنواناً لروح تمتع الفصول بالهدوء والجمال، ورمزاً للحب والصفاء وراحة القلوب.
شهر رمضان ليس كبقية الشهور، أيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، فإن الليل واحة المتقين، يجتمع فيه شتات المهموم، وتصفو النفوس ويتوجه العبد للقاء الحي القيوم، والسحَر وقت شريف، يقترب الله جل وعلا من عباده، لعلهم يتوبون أو يناجون ربهم ويُنزلون حاجتهم به ويستغفرونه ويتوبون إليه.
إن رمضان طهارة وسكون، وإقبال على الله ذو شجون، واستمطار لرحمة المنان، فطهر آنية قلوبنا، نغسلها بماء التوبة، لتصلح مستقراً للقرآن، ونزلاً للرحمة والمغفرة والرضوان، وقبل ذلك وبعده توهب لنا حياة طهر جديدة، تفتح فيها صفحة بيضاء نقية.
رمضان شهر لإصلاح النفوس البشرية التي هي أولى خطوات الإصلاح وأصعبها، ومن كان قادرًا على إصلاح نفسه استطاع أن يحقق الإصلاح في ميادين حياته وعمله، فشهر رمضان هو ثورة علي السلوك المشين والأخلاق الفاسدة والقيم الساقطة.
إن رمضان فرصة للانتصار على النفس الأمّارة بالسوء، المعبأة بالحسد والحقد والكراهية والطيش، تتجلى في ذكر الله تعالى بكل ألوان العبادة الصحيحة من صلاة وتسابيح وتلاوة لكتاب الله وتضرع ودعاء فيتاح للصائم من التأملات والاستشراقات الروحية مالا يباح لغيره، حيث تصفو النفوس ويطهر القلب، وينشط العقل، وترهف المشاعر، ويبلغ انتصار الروح ذروته.
نزلت في هذا الشهر المبارك الكتب السماوية على الأنبياء عليهم السلام من أجل هداية البشر، ونقلهم من الظلمات إلى النور، ففي أول ليلة منه نزلت صحف إبراهيم عليه السلام، والتوراة لست مضين منه، والإنجيل لثلاث عشرة ليلة خلت منه، والزبور لثماني عشرة منه، وأما القرآن فقد أنزل في ليلة القدر لذا ينبغي الاستفادة من هذا الشهر في التبليغ وإرشاد الناس وهدايتهم إلى معالم الإسلام وأحكامه فإن الملاحظ هو إقبال الجميع على العبادة والطاعة، وتفتح النفوس لقبول الموعظة.
في الصوم يستطيع الإنسان أن يرى روحه، وأن يرى نفسه، أن ينظر إليها تحت هذا الغشاء، هذا ما يؤكد أهمية رمضان على اعتباره فرصة ذهبية لتحقيق الموازنة بين المادة والروح، وفي الصوم يقترب الإنسان من الإيمان الذي يدفعه إلى البر والإحسان، ويأخذه إلى الرحمة والغفران ويرشده إلى العتق من النيران.
مع حلول شهر رمضان تظهر على جسم الإنسان وعلى نفسيته بعض التغييرات، وبعد مسيرة أحد عشر شهرًا من العناء في ضجيج الحياة ومادياتها، وضوضائها وهمومها، يجد الإنسان الواحة اليانعة الغنّاء يتملى جمالها، ويتمتع بثمارها، فشهر رمضان هو ربيع النفوس والأرواح.