د. إبراهيم بن جلال فضلون
يقول بيرغر «كل شخص هو شركة إعلامية خاصة به، ينتمي لمجموعة معينة من الأشخاص الذين يتابعونه. اعتاد أن يكون هذا التوقيع الرئيس للعلامة التجارية هو الطريق إلى النجومية. الآن يمكن للفنانين بناء متابعيهم عبر الإنترنت، ومن المؤكد أن وسائل التواصل الاجتماعي جعلت الشهرة والاهتمام أكثر ديمقراطية، وإن لم يكن ذلك دائماً بطريقة جيدة».
وقد أعلن المثير للجدل إيلون ماسك أننا سنكون جزءًا من الانترنت وعالمه الفضائي، بعد إزالة المسافة بين وسائل التواصل الاجتماعي مستقبلاً عبر شرائح كمبيوترية مزروعة فينا، توازيها فكرة «الميتافيرس» لزوكربيرغ، ويخشاها الكثيرون في أوروبا والولايات المتحدة من أن تتحول إلى عالم حقيقي، لكننا نجد أنفسنا بين عالمين متناحرين وكلاهما بداية موت مؤلم.. من خطواتها اتخاذ مجلس إدارة شركة «تويتر» استراتيجية دفاعية بخطة «الحبة السامة» لعرقلة استحواذ إيلون ماسك على جميع أسهم الشركة، وهو ما لم يكن سبباً في قبول عرض الاستحواذ الذي تبلغ قيمته نحو 43 مليار دولار، بعد خطابه لمجلس إدارة تويتر قائلاً: «إن تويتر لا يمكن أن يعمل كمنصة لحرية التعبير كشركة عامة، وإن الشركة تحتاج للتحول إلى شركة خاصة، يمكن أن تجعل تويتر أفضل حالاً في قراراتها الإدارية وفي حرية التعبير، عندما تصبح شركة خاصة وتتوقف عن كونها شركة عامة». وعليها خرجت حراب «الحبة السامة» لإجبار أي شخص يحاول الحصول على الشركة للتفاوض مباشرة مع مجلس الإدارة، وهي استراتيجية دفاعية هدفها عرقلة أو عدم تشجيع أي شخص أو مجموعة، الاستحواذ على الشركة من خلال السماح للمساهمين بشراء أسهم جديدة إذا اشترى إيلون ماسك أو غيره نسبة 15% أو أكثر من أسهم الشركة، معتبراً الأخير أنه ينوي القضاء على الاحتيال وجيوش الروبوت، ويصر ماسك على أن الخوارزمية التي يستخدمها «تويتر» لترتيب محتواه، وتحديد ما يراه مئات الملايين من المستخدمين على الخدمة كل يوم، يجب أن تكون بيد عامة المستخدمين وليس المنظمين. معرباً عن مخاوفه من انحراف «تويتر» عن جذوره وتحويله لمأوى للمُشردين، مناقضاً كونهُ «جناح حرية التعبير»، وهو ما شاركهُ العديد من المسؤولين التنفيذيين في «تويتر» بعدما نشرت الشركة بحثاً داخلياً حول التحيز في خوارزمياتها، ومولت جهداً لإنشاء معيار مفتوح وشفاف لخدمات وسائل التواصل الاجتماعي التي تخضع لإدارة نخب ليبرالية تستهدف المحافظين بشكل انتقائي وتعمل بلا كلل لإسكات أصواتهم، وهي انتقادات تصاعدت بشدة في أعقاب الهجوم على مبنى الكابيتول الأميركي، حين علقت شركات التواصل الاجتماعي حسابات الرئيس الأميركي السابق ترامب قبل أن يغادر البيت الأبيض بأسبوعين فقط.
وتساءل ماسك، بطريقته الاستفزازية ما إذا كان العصفور الأزرق على شفير «الموت» بسبب وجود حسابات كثيرة تضم ملايين المتابعين لكنها غير نشطة كحساب الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما مع 131 مليون متابع، يليه نجوم في عالم الترفيه من أمثال جاستن بيبر الذي لم يغرّد سوى مرة واحدة هذه السنة وكاتي بيري وريهانا وتايلور سويفت وليدي غاغا، ثم إيلون ماسك في المرتبة الثامنة مع 81 مليون متابع، مما يعني موت تويتر؟ حتى أنه نشر استطلاعاً للرأي عبر حسابه شارك فيه حوالي 4.4 مليون حساب، من مستخدمي «تويتر» ما إذا كانوا يرغبون بأن تضيف الشبكة زر «التعديل» لتصحيح أي تغريدة بعد نشرها. وأجاب ما يقرب من 73% منها بـ»نعم».. ليجبر الشركة المحتضرة على إعلان لاحق أنها تختبر هذه الخاصية التي يطالب بها مستخدمون كثر منذ أعوام.
وهناك الجانب الآخر والضد إذ يرى المتخصصون في دراسة الشركات والحوكمة، أن الشركات الخاصة وإن كانت تتمتع بحرية أوسع وقدرة أسرع في اتخاذ القرار، إلا أنها تواجه مشكلات كبيرة، كونها تفتقر إلى كثير من الضمانات التي تحكم عمل الشركات العامة مثل الملكية الخارجية والرقابة المستقلة.. يوافقهم قول دان آيفز، المحلل في شركة ويدبوش للأوراق المالية، إن خنق الاعتدال في المحتوى من شأنه أن يشعل «عاصفة سياسية على طول الطريق من واشنطن إلى بروكسل، كما تحذر كولين سيباستيان، المحللة في مؤسسة بيرد، من خطر المعلومات المضللة إذا تمكن ماسك من شراء الموقع وأشارت إلى أن ماسك كان ينتقد بشدة قيود المحتوى التي يعتبرها «تويتر» معلومات مضللة بما في ذلك «كوفيد-19»، بل إن موظفين كثيرين بتويتر أبدوا قلقهم من انضمام ماسك إلى «تويتر»، معتبرين خصوصاً أن قيم هذا الرجل الأغنى في العالم لا تتوافق مع الثقافة المهنية لهذه الشبكة الاجتماعية، حيث يواجه مصنع «تيسلا» في فريمونت بمنطقة «سيليكون فالي» اتهامات بالتمييز العنصري من جانب ولاية كاليفورنيا.
إن العلم الحديث والإعلام التكنولوجي يُحدثان قيماً ثقافية جديدة للموت، وكأنهما يُعلنان نهاية قيم القرن الـ 20 وبزوغ قيم جديدة تضع الموت في صورته النفعية السياسية والفرجوية والاستثمارية أيضاً، حيث كتب أستاذ العلوم السياسية في جامعة تورنتو رونالد ديبرت في مقال نشر في المجلة في يناير الماضي أن «الخوارزميات الجاذبة للانتباه الكامنة وراء وسائل التواصل الاجتماعي تدفع بالممارسات الاستبدادية التي تهدف إلى زرع الارتباك والجهل والتحيز والفوضى، وبالتالي تسهيل التلاعب وتقويض المساءلة الديمقراطية»... ونصيحة مني لنتعلم الدرس ولا تدفعوا للإعلانات فستأتيكم الشهرة بدلاً من أن تدخلوا في غياهب الموت وتكونوا من المُشردين بتغريدات العلامة الزرقاء.
وبكل الأحوال لا يبدو أن عملية الشراء هذه ستتم، بعد بطرح خيار «الحبة السامة»، فهل هي الحرب على تويتر كما كانت على «ميتا» فيسبوك، أم التفاوض على الافتتاح بشكل مُتسارع لهدم قيمها؟