رمضان جريدي العنزي
جبر الخواطر خلق إسلامي عظيم، يدل دلالة واضحة على سمو النفس ورقتها، وعظمة القلب وسلامته، وسعة الصدر، ورجاحة العقل. جبر الخواطر عمل عظيم، وفعل ثمين، يجبر النفوس التي انفطرت، والأرواح التي انكسرت، والأنفس التي أرهقت، إنها مواساة للآخر، والأخذ بيده، وترميم حاله، إنها جبر الغني للفقير، والقوي للضعيف، قال صلى الله عليه وسلم: «من نفَّس عن مؤمن كربةً من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسرٍ يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه». إن جبر الخواطر من أعظم القربات إلى الله، وهي من أحب الأعمال إليه. إن جبر الخواطر عنوان كبير للتراحم والتعاون والترابط والتآخي. إن الإحساس بآلام الناس ومواساتهم في مصائبهم مردودهما عظيم في قلوب المتألمين. إن حلاوة جبر الخواطر لا تضاهيها حلاوة، وشهد لا يدانيه شهد، فلك أن تتخيل كيف يكون حال اليتيم أو الفقير أو المريض أو الأرملة بعد أن تفرج همومهم، وتزيل غمومهم. إننا بحاجة ماسة إلى هذه العبادة والتحلي بها، ولاسيما أن الناس أصحبت اليوم لديها من المشاكل والهموم والمتطلبات والاحتياجات والضغوط النفسية ما يكفي لخلق حالات وأوضاع سيئة؛ لهذا يجيء جبر الخواطر كعملية تقنية أخلاقية سامية، من أصحاب النفوس الطيبة الراقية، للحد من عذابات الناس، وقسوة الحياة عندهم، فعطاء بسيط، أو مساعدة بسيطة، كفيلة بجلب السعادة لقلوب المحتاجين. إن جبر الخواطر عملية سهلة وبسيطة وغير مكلفة، لها نور يتسلل إلى القلوب، ودفء وضياء لا يستهان به، فكم من قابع في ظلام حاجاته، وأسير عدم مقدرته، وكم من مرتجف في زوايا القلق نتيجة زوابع الحياة، تشرق شمسه، ويخضر ربيعه، نتيجة جبر خاطره، وتلطيف حاله واحتوائه. قال الشاعر:
كم باسم والحزن يملأ قلبه
والناس تحسب أنه مسرور
وتراه في جبر الخواطر ساعياً
وفؤاده متصدع مكسور
إن جبر الخواطر عملية سهلة، ومردودها عظيم، وكما تجبر خواطر الناس، حتمًا سيجبر الله خاطرك، فأغث الملهوف، وأقل العثرة، وحن على اليتيم، وساعد الفقير، وتفقد الأرملة، وأعن على النوائب، وامش في حاجة من يريد العون والمساعدة، واعلم أن من مشى بين الناس جابرًا للخواطر أدركته عناية الله في جوف المخاطر.