غالب الذيابي
يا لها من قلاع، ويا لها من دروب ما عبدت إلا بأيادٍ بانية وقلوب حانيه. من بلدة الدرعية إلى أكبر وأثقل دولة في العالم الإسلامي، قرون من العدل تقف شاهدة على صلاح أئمة البلاد. قرون سبقت عهد البترول كان فيها بيت الحكم السعودي ملجأ لسكان الجزيرة العربية من ويلات الحروب الطاحنة والجوع الذي فتك بالآلاف. ومع مرور السنين واشتداد الأزمات ما زال هذا البيت مصدرا للرفد واغاثة الملهوف في شتى بقاع الأرض. وقد تعاقبت عليه خطوب جسيمة ونوازل عظيمة كان ثمنها حياة بعض الأئمة وبعض الملوك ونجاة البعض الآخر، وكانت أول رزية هي:
مقتل الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود
ففي العشر الأواخر من شهر رجب سنة (1218هـ/ 1803م) استطاع وافدًا عراقيًا مكث في الدرعية قرابة الشهر من صلاة العصر خلف الإمام وفي إحدى سجداته فبادره بطعنة أودت بحياته. هذا العراقي الذي قدم نفسه على أن اسمه (عثمان) جاء في شكل عالم يريد التزود بعلوم الشيخ محمد بن عبدالوهاب ثم أعقبت هذه الحادثة بستة عشر عاما رزية مقتل الإمام عبدالله بن سعود عام (1234هـ/ 1818م) بعد حصار الدرعية على يد القائد التركي وابن والي مصر إبراهيم محمد علي باشا. فتم أسر الإمام عبد الله بن سعود ونقله إلى أسطنبول حيث أرسل فور وصوله إلى سجن بوستانجي باشي، وهناك تم استجوابه والتحقيق معه لثلاثة أيام، وقد حاول الأتراك حمل الإمام عبد الله على نبذ معتقداته واعتناق مذهبهم فرفض، لتقام له محاكمة سريعة تم على إثرها اعدامه في ساحة آيا صوفيا في أسطنبول. وقد نفذ الإعدام شخص يدعي خليل آغا. ولكن.. تستمر سفينة الأمة في الإبحار.
وفي عام 1236 هاجم الأتراك الدرعية مجددا، مما حدا بالإمام تركي بن عبد الله إلى مغادرة البلدة، متوجها إلى جبال (علية جنوب الرياض. فمكث في هذا الجبل المنيع مدة داخل غاره (الذي سمي فيما بعد بغار تركي). قال رحمه الله:
جلست في غار على الطرق كشاف
على طريق نايف في عليه
وطويق غرب وكاشفي كل الأطراف
وخذيت به وقت وله قابليه
وبعد رحيل الترك عن الدرعية عاد إليها الإمام تركي بن عبد الله وكان لعودته دور عظيم في وأد الفتن واسترداد الحق المغتصب واقامة العدل ورد المظالم لأصحابها وأنشأ رحمه الله معاهد العلم وبسط نفوذه على مساحة شاسعة من الجزيرة العربية وبذلك نجا من غدر آل عثمان وتستمر سفينة الأمة في الإبحار. لم يكتف الأتراك بحملاتهم السابقة لإرهاب أئمة الجزيرة العربية وثنيهم عن تبني الوسطية الدينية التي أيدها الحاضر والباد. ففي رمضان عام 1254هـ قام الأتراك بقيادة خورشيد باشا بمهاجمة الإمام فيصل بن تركي في الدلم بجيش جرار فتم القبض عليه وانتهى به الأمر ليؤخذ أسيرا إلى مصر تمهيدا لنقله إلى أسطنبول لإعدامه هناك، لكن الله صير له المشيئة أن يخرج من أسره محاطا باللطف والعناية حتى وصل إلى عاصمته نجد فما أن دخلها حتى أعاد لها الأمن وسادتها الطمأنينة. وبذلك نجا من غدر آل عثمان ولتستمر سفينة الأمة في الإبحار.
وفي عام (1353هـ/ 1935م) شرع أجداد الحوثيين في تنفيذ محاولتهم لاغتيال جلالة الملك عبدالعزيز في أطهر بقعة على وجه الأرض وبجوار الحجر الأسود وأمام الكعبة وفي موسم الحج أيضا!! ولكن الله أبى إلا أن يخزيهم. فقد كانت فطنة ابنه الملك سعود أسرع من أيديهم حيث تمكن بسرعة فائقة من الحيلولة بينهم وبين والده ليصاب هو في كتفه وبذلك نجا من غدرهم، وتستمر سفينة الأمة في الإبحار.
وفي يوم الثلاثاء 13 ربيع الأول 1395هـ زف العالم الاسلامي شهيده الخالد الملك فيصل بن عبدالعزيز إلى منازل الشرف والعز والخلود. ومع أن موته كان رزية على الأمة جمعاء إلا أن ذلك كان مصدر عزم واصرار على مواصلة نهج الوسطية الذي شهد بصلاحه العالم. وتستمر سفينة الأمة في الإبحار.
ومجدداً لم يخف القذافي وتنظيمات إقليمية رغبتهم في الخلاص من الملك عبد الله بن عبد العزيز، لكن الله جعل كيدهم وبالا يرتد إلى نحورهم كأنه سهام نافذة، فرحلوا هم وبقي هذا البيت شامخ البناء رحيب الفناء، وتستمر سفينة الأمة في الإبحار.
الختام: ما جادت به القريحة من إحساس في حق سادة العرب حفظهم الله.
ألا يارب صوب العز قدها
واخذ بزمامها وارفع عمدها
وصنها رغم الأحداث العنيفة
وزدها خير.. وألهمها رشدها
بلادٍ کم شهيد إلها تقدم
وأئمتها رزية معتقدها
قُتل عبدالعزيز بن محمد
قبل عبد الله بن سعود أسدها
وتركي يوم ربي سدد أمره
أدلّه يمة الغار وصعدها
وفيصل دبروا سجنه ظليمه
ولولا رجعته راحت بيدها
وأبو تركي لو أن سعود غافل
قضى بالطعنة اللي ما بعدها
ولكن الولد راسه محنك
وثب وثبة بطل كل حمدها
وما زالت ميادين الشهادة
لها الفيصل مشي حتى وجدها
وأبو متعب صدر غدر اغتياله
مكيدة خاب سعي اللي عقدها
بلادٍ كلما جاء الموت غازي
ملكها خاض الأهوال ووردها
ثلاث قرون حكم العدل راسي
كما يرسي على البيدا وتدها
ف ألا .. يامن لأى الدعوى تعلاَّ
ولك مضمونها ترجم سندها
ألا يالله .. صوب العز قدها
واخذ بزمامها.. وارفع عمدها
وصنها رغم الأحداث العنيفة
وزدها خير.. وألهمها رشدها