خالد بن حمد المالك
قدر العراق أن يكون موقعه على حدود مع دولتين مزعجتين، تتآمران على وحدته وسلامة أراضيه، وكل من الجارتين لهما مصالحهما في المساس بوحدة واستقلال الدولة العراقية، وإضعافها، وجعلها في حالة دائمة من تلقي الضربات العسكرية، والتآمر على وحدتها، وشق التناغم في وحدة الأهداف المشتركة بين أطياف الشعب، خدمة لمصالحها.
* *
فإيران لا تكتفي بتنظيم تشكيلات عسكرية من العراقيين المنتمين بالولاء لها، لتكون خنجرًا في عاصمة الدولة العراقية، ومسيّرة لصالح الأهداف الإيرانية، والذهاب بعيدًا بالعراق إلى حيث تكون هذه الميليشيات العراقية ضد الجيش العراقي وقوى الأمن، وضد أي إصلاح ينهي الفوضى، ومقاومة أي انتخابات لا تفضي نتائجها لغير مصالح طهران، وبالتالي الحيلولة دون انتخاب رئيس للبلاد، وحكومة تتصدى للفساد، وإنما تعتدي بطائراتها المسيرة، وصواريخها كما حدث أخيرًا في استهداف الأراضي الكردية.
* *
وفي تركيا يكاد الشمال العراقي لا يهدأ، فالقوات التركية في حالة دخول مستمر إلى عمق الأراضي العراقية بحجة مطاردة حزب العمال الكردي، فتعتدي وتخرب وتقتل مستبيحة أراضي لدولة مستقلة، مع ما في هذا من انتهاك للقوانين الدولية، بل إن الرئيس التركي أردوغان لا يتورع من القول بأنه سوف يواصل اعتداءاته على جارته العراق، دون أن يصغي لاحتجاجات الحكومة العراقية، مستغلاً تفوقه العسكري على جارته العراق والوضع الهش في العراق.
* *
فهذا زمن القوة، فالأقوى تتزايد أطماعه، والأقوى لا يريد أن يكون جاره مساويًا له في القوة، ومن يمتلك مفاتيح القوة فلن يتخلى أو يفرط بها، بل سيزيدها عددًا وعدة، وإلا أصبح كمن ليس بلا أهداف وأطماع، وهذا سببٌ من أسباب السباق على اقتناء الأسلحة المتطورة، والعمل على بناء مصانعها في كل دولة يكون نهجها امتلاك ترسانات من الأسلحة الأكثر تطورًا، لخدمة تطلعاتها، وزيادة نفوذ قوتها بين الدول الأخرى.
* *
فالعراق كان ضمن الدول الأقوى عسكريًا في المنطقة، لكن الرئيس صدام حسين فرط بذلك، ومن تولوا الحكم بعده أجهزوا على ما بقي لدولتهم من قوة عسكرية وبشرية، وتفرغ أغلبهم لخدمة أطماع إيران في بلادهم، فأصبحت الدولة العراقية لقمة سائغة بين كماشتين إيران وتركيا، دون أن يكون لها القدرة في التصدي للجارين ومقاومة العدوان.
* *
أمام العراق الآن استحقاق اختيار رئيس جديد للبلاد، وحكومة ورئيس لها، لكنه فشل في التوصل إلى توافق بسبب التدخل الإيراني وعملاء إيران في العراق، وسيظل هكذا طالما سمح بعض النافذين السياسيين بدور لإيران في اختيار رئيس للبلاد وحكومة تتولى زمام الأمور.
* *
نكتب هذا من باب حبنا وتعاطفنا مع العراق وشعبه، وخوفنا عليه مما يضمره الإيرانيون من حقد تاريخي دفين للعراق الشقيق، ومثله - وإن قل- من تركيا ولا نكتبه من باب التشفي من التجربة المريرة التي تمر بها البلاد، بعد أن تآمر الأمريكي والإيراني وبشكل أقل التركي على مصالح البلاد، ولعل أبناء العراق يتوصلون مستقبلاً إلى قراءة صحيحة للأحداث التي مروا بها ولا يزالون، ويستفيدون من دروسها كي لا يستمر هذا الصراع بين فئاته، وبالتالي القضاء على كل الفرص المتاحة لبناء مجد جديد للدولة العراقية.