خالد بن حمد المالك
لم يكن كاتبًا..
ولا صحفيًا..
لم يكن إعلاميًا.
ولا مدير تحرير..
لم يكن مثقفًا..
ولا ناقدًا..
لم يكن شاعرًا..
أو كاتب رأي..
كان كل هذا وأكثر، بالشواهد والبراهين، وبقلمه المستقل بتميز، وجمال عبارته، وتنوع أطروحاته، وكان حالة غير عادية من المثقفين، برؤاه وفكره، والثراء المعرفي في نشاطه الأدبي والإعلامي.
* * *
أنا حزين أن يترك الجزيرة من نصفه بهذا، أن يغيب عن قرائه من كان حريصًا وجادًا في إتقان عمله من أجلهم، دون أن يمسه خلل، أو يسيء إليه إهمال. فمثل الدكتور إبراهيم التركي لا يفرط فيه، ولا يُقبل أعذاره، ولا مجال لسماع اعتذاره، غير أننا لم نكن أمام خيارات، ولا إغراءات، ولا تودد بعد أن استنفدنا كل كلام معسول قلناه، وحجة مقنعة أفضينا بها، واسترضاء مشروع كررناه، وصداقة لم تخدشها السنوات من العمل المضيء معه ومنه، فكان الخيار القبول المر على ما ارتآه.
* * *
استقال الدكتور أبو يزن مرة وأخرى وثالثة، وبشكل كان يتكرر من عام لآخر، وفي كل مرة كان خجله وتقديره للجزيرة وللقراء ولي يجعله في موقع من يستجيب على مضض بتأجيل إنفاذ استقالته، إلى أن بلغت رغبته وإصراره مرحلة لا رجوع عنها، فكان القرار الذي تقرؤون بعض تفاصيله منه شخصياً في كلمة الوداع التاريخية بعد سنوات من العطاء والإنجاز الثقافي الذي لا يتكرر.
* * *
د. إبراهيم التركي لم يكن يقدم مجلة ثقافية أسبوعية فقط، لكنه اهتم بالرواد من الأدباء والنقاد والشعراء والمثقفين وكتاب الرواية والقصة، فأصدر أعدادًا خاصة بهم من المجلة الثقافية، وألّف القسم الثقافي بالجزيرة بإشرافه ودأبه كتبًا عنهم، وكانت له مساهمات كبيرة خارج نشاط القسم الثقافي بإدارة بعض الندوات، وعمل بعض التحقيقات، وكتابة المقالات، وغيرها كثير مما كان موضع متابعته اليومية ونشاطه المستمر لتكون الجزيرة حاضرة ميدانيًا في كل نشاط يكرّس به نجاحاتها.
* * *
كان بنفسه يتابع إخراج المجلة الثقافية، ويصحح لغويًا مقالاتها اعتمادًا على إلمامه باللغة وتبحره بأدواتها، وكان لا يهدأ له بال إلا حين تستكمل المجلة صفحاتها بتنوع وحرص على أن تغطي كل أطياف الثقافة، وترضي ذائقة كل القراء مهما تنوعت اتجاهاتهم الفكرية، حريصًا على أن يجمع بين القديم والجديد دون تحيز أو ميل لهذا عن ذاك، ودون توظيف أو إملاء قناعاته على لون من هذه الألوان.
* * *
لقد بذلت شخصيًا كل جهد ليبقى الدكتور التركي أحد رموز استمرار تفوق الجزيرة ثقافيًا، ومارست معه كل أساليب الإقناع، فلم يعد لدي ما أقوله أكثر مما قلته قبل استقالته التي قال عنها إنه لا تراجع عنها، وهكذا تخسر صحيفة الجزيرة أحد صناع نجاحها، كما ستخسره الثقافة في البلاد، فمثله لا يعوض، وإن حاولنا، وقد جمع بين الخلق والتعامل الطيب، والفكر النير، والعمل الجاد، والثقافة الواسعة، فمن أين لنا بمثله.. وداعًا أيها الزميل الصديق.