إن جزءًا مهمًا من الثقافة، ارتبطت بالصحافة ارتباطًا وثيقًا، منذ بداية الوجود الإنساني، متلازمة مع تطور الحياة البشرية، (أعتقد) أن الغالبية يتفق على ذلك، وعلى أنّها كانت المعبر الحقيقي للتقدم الفكري والإبداعي المختلف والمتنوع، الذي تحققه البشرية، وإذ كان هذا ما اعتزمته (الثقافية) وعقّدت أيمان حضورها الصحافي في سبيله، أو من أجله؛ فقد قرّر الزملاء (أسرة تحرير الثقافية) المُضي نحوه - معكم وبكم - قُرّاء وكتاب الثقافة والأدب والجمال، هناك كان رهان؟! وهنا كان أحد وقائع وتفاصيل رهان ثقافيتكم، قد يكون من المناسب سرده ونحن نحتفي في هذا العدد بنهاية الموسم، إذ كما في كل الأعوام يعقب هذا الشهر الفضيل إجازة العيدين والعطلة الصيفية للكتاب والصدور مجددًا بألق وعناق كل المواسم..
يومها، عزمنا أن تكون (مصر) بداية الرحلة الصحافية العربية (رقيم ودهاق أوطاننا العربية)، التي استمرت (ثلاثة أعوام) فسحنا فيها لننقب مشاهد أدبها، ومشاهدات مثقفيها التي كتبوها حول: (الحركة الفكرية والنقدية والشعرية والروائية والقصصية والحركة المسرحية والسينمائية والفن البصري التشكيلي).. رَصْدُنا (الأول) كان من مصر، بَدأناهُ بتاريخ 21 / 10 /2017م ووضعناه تحت وسم (رقيم ودهاق أوطاننا العربية)..
وبعد أَنْ ودعنا (المحروسة) إلى (الجزائر) رغم الأماهيد والشرائك التي تروم هجفنة جزائرنا، مضينا نحوها نكتب بداية من القرن (13)، الموصوف أبان حكم (الدولة الرستمية)، بداية التأريخ، للشعر العربي في الجزائر، ممثلًا بشاعرها البكر بكر بن حماد، أحد أبرز رواد الشعر في المغرب الإسلامي، واستظهرنا عصر روايات كتبت باللغة (الفرنسية) التي سبقت نظيرتها العربية، دالفيت لمرحلة ظهر فيها ما يسمى «رواية الأزمة» ذلك أنّه وبرغم مأساوية سنينها تلك فقد دفعت تلك الأحداث روائيي الجزائر إلى الالتحام بالواقع والتعبير عن هموم الناس وخوفهم من ظاهرة (الإرهاب) كذلك رصدنا دور الفتاة الجزائرية، وهي تستحث خطاها في تجاربها الأدبية..
ومن جزائر الوعي الشمولي المنفتحة على المدارس والحضارات الغربية (الفرانكفونية) تحديدًا، أبرزت (الثقافية) عناوين مغايرة تستمد قوتها هذه المرّة من حكمة غائرة الوجود، والتأثير اليمني: (حين نتحدث عن اليمن وجب على كل مدائن الجمال أن تفرد أجنحة الاندهاش تلميذًا تلهمه نفائث معلمه الأول) ولم نغفل حركتها «الشعرية والقصصية وواقع تنوع الأدب الشعبي والروائي ..» في (الجزء 2) ما ورد على روايات الكتاب أن (أول الروايات العربية سطرتها أوجاع الحضارم) وفي (الجزء 3) الحقيقة التاريخية والثقافية والأدبية ليمننا العربي: (اليمن مهد الحضارات تربت على أكتاف أبنائها: أنا الأوس أنا الخزرج أنا قحطان وأنا عدنان وأنا قبائل العرب)، تناولنا فيه قضية أشغلت هواجس المبدعين الشعراء في العصر الراهن اليمني «خطابات اليوميات في الشعر اليمني على الفيسبوك» والمحور الثاني «القصة في اليمن بين ضبابية المفهوم والاحتراف الكتابي» ولأن المدن اليمنية «متاحف مفتوحة» خصصنا مساحة لهذا المكنوز العظيم بأرضها، مشيرين لمقولة الرئيس الأمريكي السابق «جيمي كارتر) بدايات تسعينيات القرن الماضي، عبر عن اندهاشه همساً بتلك الكلمات في آذان المسؤولين اليمنيين الذين قابلهم يومها: (الغريب والعجيب جداً أننا عبرنا بسيارة مسرعة داخل متحف عملاق)، ووصف أمين الريحاني (جوهرة في أيدي فحامين)، والطبيبة الفرنسية (كلودي فايان) التي ذكرت أن اليمن من أجمل بلدان العالم سياحياً وثقافياً بالمفهوم الشامل للثقافة والسياحة لا في أطرها المحدودة. إضافة لما قاله المخرج الإيطالي العالمي (بيير باولو بازوليني) بأن فينسيا الشرق أجمل من فينسيا الغرب ويقصد صنعاء خصوصاً. كل ذلك ذكرناه برقيم يمننا وغيره..
أما في (لبنان) فقد حمل ملفها العنوان: (لبنان التي شوهتها الحرب وأنتجت الروايات فيها جيلًا طائفيًا، وزينته فيروز!)
ونظرًا لضيق المساحة لن نسهب في الرحلة وسنكتفي لما اجتزأه في أعلى ذكر أسماء تلك البلدان العربية وهي: (العراق، الأردن، سوريا، السودان، الصومال، ليبيا، والدول المغاربية بالإضافة لجيبوتي وإريتريا وجزر القمر ودول الخليج العربية).
سعينا في تدوين الرقيم: مذ كان المصري القديم وهو من أول من عرف الحضارة والتقدم والرقي والتنظيم والسياسة والتوحيد والاقتصاد، لعصر الثقافة العربية الحديث. ولم نغفل عن تفاصيل بعض البلدان النامية بها اللغة والتجربة الإبداعية العربية مثل الصومال وجيبوتي وجزر القمر وإريتريا، دوّنَا هناك التفاصيل مذ لا تزال تقاليد اشعال البخور في المعابد، إذ كانت جيبوتي «اقليم عفر وعيسى الفرنسي منطلق الجنس البشري الإفريقي للعالم» وعبور المحيط الهندي إلى (جزر القمر)، مذ «مأوى العرب الحصين» نرقب واقع وحال مثقفيهم اليوم وهم يقاومون الطّمس، يومها كانت رحلة الرقيم تطوي أضابيرها الأخيرة يوم السبت 8 فبراير 2020م
لم تكن الرحلة العربية (رقيم ودهاق أوطاننا العربية) نهاية وجهات (الثقافية) ولا طاوية كشح ملفاتها الثقافية وقضاياها، فقد كانت تعتزم بعزم وحزم (العود للوطن)، إذ هناك في بلادنا (المملكة العربية السعودية)، نتنفس معًا ومن «رئة واحدة» ثقافة بلدنا، في ملف جديد عنونا له (ملف الأدب السعودي) وهو ما سنلط الضوء على جانب منه في تقرير ثان.