د. عبدالحق عزوزي
سنتطرق في هاته المقالة إلى بعض آثار حرب أوكرانيا العالمية في مجال الاقتصاد والسياسة والاستراتيجية والأمن القومي لبعض الدول:
- فالحرب في أوكرانيا عززت الاهتمام في جميع أنحاء أوروبا ببناء محطات طاقة نووية جديدة أو إطالة عمر المحطات القديمة؛ لتقليص اعتمادها على النفط والغاز الروسي؛ فبلجيكا مثلاً أجرت تغييرًا بقرارها الإبقاء على مفاعلين كان من المقرر إغلاقهما، كما دعت «التشيك» الشركات الغربية بإمدادها بوقود نووي ليحل محل الإمدادات الروسية، أما «بولندا» فتتفاوض لبناء مفاعلات جديدة في بلدة ساحلية هادئة؛ كما أن بريطانيا تعتزم تشييد ثمانية مفاعلات نووية، وتوسيع إنتاج طاقة الرياح ضمن مساعيها لخفض الاعتماد على النفط والغاز الطبيعي من روسيا والموردين الأجانب الآخرين... ولا يجب أن ننسى أن الاهتمام المتزايد بالطاقة النووية، يأتي في الوقت الذي تُظهر فيه الحرب في أوكرانيا مخاطر بناء مفاعلات نووية على خط المواجهة مع حلف شمال الأطلسي.
- التأثيرات الاقتصادية للحرب التي تدور رحاها بين روسيا وأوكرانيا قد تكون لها تداعيات سياسية سلبية خطيرة على الزعماء في الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا؛ وتلك التأثيرات تجلت بالفعل في معدلات التضخم المتصاعدة وارتفاع تكاليف المعيشة؛ كما أن الحرب إذا ما استمرت لأشهر عديدة فإن المتاعب الاقتصادية المترتبة على أسعار الطاقة والضغوط السياسية الناجمة عنها والمساعدات العسكرية كلها عوامل قد تتضافر لتقويض دعم الحكومات لأوكرانيا.
- بالإضافة إلى الخسائر البشرية والاقتصادية، يشعر صندوق النقد الدولي بالقلق إزاء تداعيات الحرب على كل أنحاء العالم... فخلال أقل من ثلاثة أسابيع من الصراع، ارتفعت أسعار الطاقة والمواد الخام والزراعة بشكل حاد. وبالنسبة إلى سلع مثل القمح، قد تكون التأثيرات أكبر... فالأمن الغذائي العالمي بدأ يتعرض للخطر، كما أنه يعني الجوع في بعض الدول الإفريقية جنوب الصحراء؛ فهناك 25 دولة إفريقية تستورد أكثر من ثلث حجم احتياجاتها من القمح من أوكرانيا وروسيا... كما أن أوكرانيا هي «سلة الخبز لأوروبا» بينما تعد روسيا من كبرى الدول المصدرة للقمح، وهما تستحوذان معًا على ثلث التجارة العالمية لهذه الحبوب ويجري تصدير معظم القمح الأوكراني في فصلَي الصيف والخريف. وكلما طالت الحرب ازداد الخطر على الصادرات، وهو أمر سيؤثر على الاحتياطات الحالية والمستقبلية.
- كما أدت الحرب في أوكرانيا إلى نظرة أوروبية بل وعالمية جدية تجاه أمنها العسكري الداخلي واستثمارها في هذا المجال الذي كان محطة انتقادات لا متناهية من عند الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب؛ ففي هذا المنحى مثلاً قررت ألمانيا مراجعة تاريخية لسياستها الدفاعية... فإضافة إلى رصد ميزانية 100 مليار يورو ستنفق على قطاع الدفاع، ستخصص برلين من الآن حتى 2024 أكثر من 2 بالمائة من ناتجها المحلي الإجمالي لجيشها..
- كما أن الجميع وبالأخص أمريكا بدأت تنظر إلى القوة العسكرية المتزايدة للصين التي تعمل على تطوير مفهوم جديد للحرب، وهو «الحرب الذكية».. فمفكرون صينيون يقولون إن المفهوم العملياتي الأساسي للحرب الذكية هو التحكم المباشر في إرادة العدو؛ كما أن الهدف من استخدام الذكاء الاصطناعي هو التحكم المباشر في إرادة كبار صانعي القرار في الولايات المتحدة؛ بما في ذلك الرئيس الأمريكي وأعضاء الكونغرس... وقد أطلقت الصين العام الماضي صاروخًا بسرعة تصل إلى خمسة أضعاف سرعة الصوت، وأثارت التجربة قلقًا على نطاق واسع بين كبار الضباط في الجيش الأمريكي؛ وأشار تقرير وكالة الاستخبارات الدفاعية الأمريكية إلى أن اختبار الصين لصاروخ فرط صوتي هو جزء من ترسانة متطورة من «حرب الفضاء»، وذكر هذا التقرير أن تجربة الصاروخ كانت جزءًا من مخزون الصين من الأسلحة الفضائية الموجهة لضرب الأقمار الصناعية الأمريكية التي يستخدمها الجيش للاتصالات والصواريخ الموجهة بدقة.
- شكل التركيز الأمريكي على كشف المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بأوكرانيا جبهة جديدة في حرب المعلومات الأمريكية مع روسيا؛ فمن أجل مواجهة «الكرملين» صادق «جو بايدن» على مبادرة لنزع السرية عن المعلومات ومشاركتها مع الرأي العام والحلفاء؛ وهو يتبنى بذلك منهجًا جديدًا يقوم على التشارك في المعلومات الأمنية التي اقتصرت في العادة على صناع السياسة؛ وقد أطلق مسؤولو البيت الأبيض على هذه الاستراتيجية اسم «التخفيض والمشاركة»، ويعني تنزيل مرتبة السرية عن المعلومات والبيانات.