عطية محمد عطية عقيلان
الدماغ العضو الرئيس في الجهاز العصبي ويتكون من مليار خلية، وله وظائف كثيرة وتنظم معظم أعمال البدن والعقل، ورغم ذلك هناك «خلاف افتراضي» يومي بين الدماغ والمعدة، فالدماغ يبدأ بإرسال إشارات إلى الحاجة للطعام لنبدأ بالأكل، ويرسل للمعدة أوامر بالاستعداد لاستقبال الطعام، لبدء عملية الهضم، والمفترض أنها عملية سلسة ومريحة، حيث عند الشبع يرسل رسائل للتوقف عن الأكل، وهنا تكمن المشكلة التي نواجهها غالباً، بعصيان أوامر الدماغ بالتوقف عن الأكل لامتلاء المعدة، وتبدأ من هنا معاناة المعدة من تخمة وعسر الهضم وتلبكها ...الخ، وتتعقد المشكلة وتزيد في شهر رمضان المبارك، لأن ساعات الصوم الطويلة أراحت المعدة، وعند بدء الإفطار تبدأ الأوامر لها بالاستعداد لهضم ما يتم تناوله، ولكن يحدث ازدحام وتكدس فيما يتم استقباله، وتواجه سيلاً من المشروبات والأطعمة اللينة والصلبة بكميات أكثر من قدرتها الاستيعابية، ورغم صدور أوامر الدماغ بالشبع والتوقف عن الأكل، إلا أن أوامره ما تمشي علينا، ونخالفه بكل قوة قلب آمنين من العقوبة، وذلك لعدم قدرة الدماغ على فرض قراراته وسلطته بالقوة، وتبدأ المعدة المطيعة لأوامر الدماغ بعملية الهضم ولكن الكمية فوق طاقتها، ويتكدس ما تم استقباله، وتتسبب بالتخمة وعرقلة سير وبطء في عملها، مع مشكلة أخرى تواجه المعدة، بسبب كثرة العزائم والمناسبات والجمعات الرمضانية، لا يمكن أن تتنبأ بتوقيت الأكل، وما ستواجهه من مشروبات ومأكولات، ورغم ذلك تجتهد برفع طاقتها القصوى واستعداداتها إلا أنها دوماً تواجه كميات كبيرة ومفاجآت بانتظارها، فتقل كفاءتها ويضعف عملها وتبدأ عملية الهضم وسط معاناتها للتخلص من الطعام بأسرع وقت ممكن، وما يزيد تشعب مشكلة التخمة، إذا كنا ممن يتابعون التلفزيون أثناء الطعام، فما نراه من مسلسلات سطحية وكوميديا سمجة وحوارات مصطنعة تصيب الدماغ بالحيرة والضياع وتصبح أوامره ليست دقيقة وملخبطة ونستمر في الأكل حتى ولم يعد هناك متسع في المعدة.
عزيزيتي المعدة : أنت مظلومة بما نمارسه من سلوكيات في الأكل والشراب، ولا نراعي حقك في ملئك بالحد المعقول والمفيد والمتدرج والصحي، ونعلم أن كاسة «الشاي الأخضر» ليست حلاً سحرياً يمكن أن يساعدك بسرعة هضم الطعام، لأن «الشق أكبر من الرقعة»، ونتأسف أننا نباغتك بكل أنواع الطعام دفعة واحدة، ونسبب لك الحرقان وعسر الهضم والقرحة ..الخ، بما نتناوله من مقالي وحلويات وأحياناً تدخين، دون مراعاة لقدرتك الاستيعابية والحرص على الأكل بكميات معقولة، ونعلم أنك الأم الحنون في جسمنا وتتحملي كل ما نمارسه من عادات غذائية سيئة، وتبذلي قصارى جهدك لهضمه وإبقاء المفيد منه، ولكن طاقتك محددة بالتوسع، فإذا كانت النفس نهمة وأكولة تعبت في مرادها المعدة، مع العلم أن الطعام من النعم التي نستمتع بها، وتحلي جمعاتنا، ومرتبط بها الكرم بشكل كبير تحت باب «الكرم الغذائي»، إلا أن أثر ما نتناوله مهمٌّ جداً على حياتنا الصحية والجسدية والفكرية ومزاجنا، وكما يقال «المعدة بيت الداء»، ونحن أحياناً نعذر أنفسنا عندما يكون لنا أصحاب من نوعية «الشيف السحس»، لهم لمسة خاصة وطبخ مميز ومتنوع مغرٍ، تجعل الدماغ يتلخبط ويتوقف عن إعطاء أوامر صحيحة، لا سيما إذا كان من والدتك التي تؤمن بالمقولة الشهيرة «إذا طابلك زادك كلوا كله، بيجي يوم ما تقدر تشمه»، وهذا يستوجب لكل من لا يملك إرادة بالتحكم بكميات الطعام من أمثالي، ممارسة الرياضة ومقاطعة مؤقتة لصنف كل فترة من باب إعطاء المعدة إجازة وتقدير وضعها والتعاطف معها، لتستمر في المجابهة قدر ما تستطيع، وكل عام وأنتم بخير.