أ.د.عثمان بن صالح العامر
يوم 23 أبريل هو اليوم العالمي للكتاب الذي سنته وأقرته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) منذ سنة 1995م وما زال، والغريب أن ناشطاً سياسياً الأسبوع الماضي أراد أن يحرق نسخة من القرآن الكريم في السويد بحماية شرطة المدينة تزامناً مع هذا اليوم العالمي، وحتى يبقى حديث الكتاب وشاغل الناس، ولكن لم يكن في حسبان هذا المتعنصر ولا حتى الشرطة السويدية قوة ردة الفعل الميدانية التي واجهت بها الجالية المسلمة هناك هذا التصرف المستهجن، الذي بادرت بلادنا الغالية المملكة العربيه السعودية ممثلة بوزارة الخارجية باستنكاره وإدانته معتبرة إياه استفزازاً وتحريضاً ضد المسلمين. وغاب عن أولئك القوم حفظ الله لهذا الكتاب العظيم، ولما يأخذوا من التاريخ عبرة ودروسا، فكم هي المحاولات الفاشلة التي أرادت النيل من هذا الذكر المحفوظ إما بالحرق أو التحريف والتشويه وكانت الدائرة عليهم وصار صنيعهم وابلاً وحسرة وعذاباً لهم في الدارين.
وما دام الحديث عن الكتاب والحرق فإنني أعتقد أن هناك تراثاً إنسانياً مدوناً في كتب ومجلات هو من يستحق الحرق اليوم أو على الأقل الدفن سواء بمبادرة شخصية من صاحبه أو من ورثته بعده، فهو كان وما زال يضلل ويحرف ويفسد عقول القراء ويصرفهم عن النهج القويم سواء عقدياً أو وطنياً أو إنسانياً أو عائلياً.
والحرق أو الدفن لما يكتبه الإنسان أو التوصية خطيا بعد نشر ما كتب ليس جديداً في تاريخنا الإسلامي فقد ذكر صاحب الدراسة العلمية المحكمة (ظاهرة دفن الكتب عند الرواة، وأثرها في الراوي والرواية: «دراسة استقرائية تحليلة» الدكتور عادل حرب بشير اللصاصمة، إن خلف هذا المنزع دوافع عدة يهمني منها في هذا المقال:
* الديانة والورع. والشعور بعدم خلوص النية لله تعالى في تدريس العلم ورواية الحديث، فربما كان الدافع السعي وراء الشهرة والحظوة لدى العامة والخاصة.
* الخوف من أن يبتلى بشخص يدس عليه أحاديث بصحائف فيقع ضمن كتبه فلا ينتبه لها فيحدث بها غفلة وبدون قصد فيخطئ على الرسول صلى الله عليه وسلم.
* وربما يرجع الدفن لأنه ألف وهو في مقتبل العمر، فلما بلغ حرق ما كتب أو دفنه، وحين لامه من حوله في ذلك قال: ألفتها بنية التفوق على الأقران.
فإذا كان هذا من سلف الأمة الذين عرف عنهم الخوف من الله فيما يدونون وأخذ الحيطة والحذر خشية ورهبة ووجلاً من العقاب الذي ينتظرهم جراء إضلالهم اتباعهم فكيف بغيرهم في هذا الزمن الذي شاع فيه التأليف وكثر الكتاب وتعددت المشارب والتوجهات، ألا تستحق هذه المدونات والمؤلفات والتغريدات والمقالات من صاحبها وقفة مع نفسه وكتابة ما يدل على تراجعه عمّا سطر إذا كان مما يشينه يوم القيامة، والتوصية بعدم طباعة ما سبق أن نشر، وإلى لقاء والسلام.