البطاقة الشخصية:
هو الشيخ عبدالله بن سليمان بن ناصر بن سليمان السلومي وهو من المشارفة الوهبة من بني تميم، ممن قدم أجداده من أُشيقر إلى الشنانة واستقروا بها عام 1185هـ، وكان من أجداده من استشهِد في حملات الغزاة على الشنانة، ومن هؤلاء ناوي بن هويشان الذي قُتل زمن حصار إبراهيم باشا للشنانة عام 1230هـ، ومن هؤلاء كذلك عبدالله بن سُليمان بن محمد بن هويشان وهو الملقب (مِعدان)، وإذا كان سليمان والد الشيخ عبدالله السلومي يُعدُّ عميد أسرته فقد كان ابنه عبدالله شيخ أسرته وعالمها، وولد الشيخ في بلدة الشنانة عام 1345هـ ويسميه أهلها (المطوع) على عادة أهل نجد في تسمية إمام المسجد والواعظ مُطوِّعاً. وأبوه هو: سليمان بن ناصر السلومي من أبرز مطوعي الشنانة ووجهاء البلدة قبل ابنه فترة من الزمن، وللعائلة مكانتها العلمية والدعوية والتعليمية بالشنانة وغيرها.
ومن صفاته: أنه عاش طول عمره بسيطاً زاهداً متواضعاً في مأكله ومشربه وملبسه وسائر حياته وهو مما عُرف عنه وتميز به. وكان يستمتع بالبساطة في الإنفاق والحياة. كما كان قوي الإرادة وشديد العزيمة في عمل الخير وقوة الاحتساب، وكان رجل مواقف مشهودة وقوية في هذا الاحتساب كما هو معروف عنه، وكان الشيخ عبدالله قد تعلَّم من والده العلم والإمامة والدعوة وممارسة الاحتساب.
وكان قد سافر الشيخ عبدالله عام 1368هـ مع بعض أقرانه إلى الظهران لطلب الرزق والعمل لدى شركة ارامكو، ولكنه عاد بعد أشهر قليلة إلى بلدته بسبب عدم ارتياحه في العمل.
وكان الشيخ عبدالله يعمل في بلدته في أعمال الزراعة وتوبير النخل وجنيها والعمل بالمحاصيل الزراعية في بلدته. وعاش مع هذه المهنة مع أقرانه وبين أهله في بلدته الشنانة، كما كان يقوم بهذا كثيرٌ من أقرانه وأصحابه في هذه المهنة، وكانوا يأخذون أجرتهم من أصحاب المزارع من هذه التمور والحبوب.
دوره في تأسيس قرية الجُديِّدة بالشنانة:
كان لعائلة السلومي مع غيرهم مشاركة في تأسيس قرية الجُديِّدة من قرى الشنانة، حيث كان الشيخ سليمان بن ناصر السلومي من أعيان ورموز بلدة الشنانة في فترتها التاريخية الثالثة بعد قطعة ابن رشيد لها، حينما كانت مخاطبة أبرز أعيان الشنانة ووجهائها آنذاك حيث لم يكن لها أميرٌ خاص بها، والخطاب موجهٌ من قاضي الرس محمد بن عبدالعزيز الرشيد عندما خاطب القاضي أهل الحل والعقد بالشنانة حول بناء قريتهم المسماة (الجُديِّدة) عام 1358هـ، وكانوا ثلاثة أعيان ووجهاء من الرجال، وهم: عبدالله المحمد الخليفة، وسليمان بن ناصر السلومي، وخليفة المنيع الحسين، ثم كانت للشيخ عبدالله السلومي جهودٌ مع والده وبعض أهالي البلطانية في البناء والتنفيذ لقرية سكنية خالية من المزارع وتوزيعها وتخطيطها حينما أصبح بناء هذه القرية واجباً وضرورة بعد غرقة الشنانة عام 1366هـ، فكانت بداية عمران الجُديِّدة وبناء مسجدها في عام 1371هـ والعام الذي يليه، وكان البناء بالطين آنذاك، وقد تم مع بناء المسجد حفر بئرٍ (حسو) لتقديم خدمة المياه للمسجد، وإعمار المسجد بالتعليم والدعوة وتحفيظ القرآن للكبار والصغار، ولهذا يُعدُّ المطوِّع عبدالله بن سليمان السلومي -أستاذ البناء كما كان يُسمى- أول من عَمَرَ قرية الجُديدة بالتنفيذ والبناء وساعده في ذلك بعض الرجال من أعيان الشنانة آنذاك من الخليفة والبلطان والظاهري والغفيلي.
وممن روى عن بناء هذه القرية الشيخ عبدالله بن محمد الخليفة -رحمه الله- مدوِّناً بعض ذكرياته للمؤلف حول (العمل التعاوني الخيري) في بناء قرية الجُدَيِّدَة وغيرها مما كان سائداً بين الناس، فقال عن فكرة بناء قرية الجُدَيِّدَة بالشنانة ودوافعها: «كان مع عبدالله بن سليمان السلومي بهمته العالية المعروفة مجموعة من شباب الشنانة في قرية البلطانية وقرية البلاعية، وقد ضاقت بهم بيوتهم الطينية الصغيرة فيها، لأن البيت يتكون من حجرتين أو ثلاث حجرات فقط... وقصص الإيثار بين أهل الشنانة معلومة وكثيرة، فالفقر والجوع وقلة ذات اليد يعاني منها الجميع، وغالباً كانوا يُقدمون للضيف وجبتهم أو ما لديهم من طعام، وقد يبِيتُون جياعاً». [الرس وأدوار تاريخية في الوحدة: ص96-97].
وللشيخ أعمال مجتمعية كثيرة يصعب حصرها أو اختصارها، لكن يمكن إيجازها بالجوانب التالية من الأعمال.
من أبرز أعماله المجتمعية:
«كانت قهوته (ديوانيته) في منزله مقصداً للعلماء والعامة أكثر من ستين عاماً مفتوحة في الصباح والمساء، وهي التي اشتهر بها واشتهرت به بالقصيم، وذلك على مستوى طلاب العلم والدعاة، حيث كانت هذه القهوة مدرسة علمية وفكرية يَفِد إليها طلاب العلم والدعاة وعامة الناس من أماكن شتى، وكان هذا المجلس ديوانية تُقدِّم المفيد لروَّادها من كل الأطياف الدعوية، وقد لُقِّب الشيخ عبدالله السلومي بابن قَيِّم الشنانة لتميزه الفكري بفكر ابن القيم وجمع كتبه وقراءاته المتميزة لها، وما في ذلك من إسهام في العلم والمعرفة للمجتمع وتقوية حصانته الفكرية. وقد عاش الشيخ عبدالله معظم حياته إن لم تكن كلها في بلدته الشنانة بين أهله وأقرانه من طلابه، حيث كانت قهوته في منزله عامرة بالضيوف بعد صلاة الفجر وصلاة العصر مدى حياته وما يصحب هذا من كرم الضيافة، وكان يفد إلى مجلسه كل أحبابه وأصحابه وطلابه ومشايخ الدعوة من أماكن شتى، وكان الشيخ عبدالله من أبرز كتَّاب عصره في بلدته الشنانة، وقد كَتَبَ كثيراً من التوثيقات من مداينات ووقفيات وعقود بيع وشراء وما شابهها كما هو مدوَّن في الكتاب المعني بترجمته.
«ومن أعماله المشهورة متعدية النفع لمجتمعه (حملة الحج التعاونية)، وكانت هذه الحملة قائمة على قيم التطوع، ففيها مَنَحَ ذاته وماله ووقته خدمةً للآخرين من المحتاجين للحج، وقد لا يكون في بلدته الشنانة سواه في معظم السنين ممن يقدم هذه الخدمة التطوعية، حيث كان يُسخِّرُ نفسه وعائلته وقدراته التطوعية وكل ما في وسعه لنفع الآخرين للعون على تأدية هذه الشعيرة العظمى التي تتجسد فيها كل معاني الأممية والخيرية: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} (الحج:27). فالشيخ (أبو سليمان) مُنظِّم حملة سنوية للحج، وأهمية مشروعه التعاوني الخيري في مبادرته وسبقه ونجاحه على مدى أكثر من أربعين عاماً، وتفصيل شيء من هذا في مبحث خاص في الكتاب المعني بترجمته.
«ومن أعماله المتعدي نفعها للمجتمع الحرص والسعي على الأرملة والمسكين والضعفاء وقت العوز والحاجة وهو ما كان يتميز به في ذلك الزمن، إضافةً إلى اهتمامه فيما بعد بحملات الإغاثة الداخلية والإنسانية الدولية التي كانت بعض الجهات الرسمية والمؤسسات الإغاثية تطرحها على مجتمع العطاء السعودي، كما كان تبنيه لمشاريع الزواج للشباب والفتيات بمبادرات التقريب فيما بين بعض الأسر وتقديم بعض الدعم المالي للمحتاجين منهم، ومما قيل عن الشيخ عبدالله وأدواره وجهوده الخيرية والتعاونية ما كتب عنه محافظ الرس سابقاً محمد العساف -رحمه الله- مجيباً عن سؤال عن الشيخ عبدالله السلومي: «أما والدكم عبدالله فقد بقي محل والده بالشنانة، وأذكر أنه بعد فتح مكتب الضمان الاجتماعي بالرس تكرر منه مراجعة مكتب إمارة الرس بشأن الشفاعة بحق الفقراء والمحتاجين، يرافقه أحياناً المرحوم محمد المنيع بن خليفة، وكان يراجع للمحتاجين في إخراج تقارير عن حالتهم الصحية وحتى ينهي إجراءاتهم في مكتب الضمان جزاه الله خيراً، هذا ما كان بالذاكرة أحببت إشعاركم به والله يحفظكم».
«ومن الأعمال النافعة والمتعدية للآخرين التي كان يقوم بها إمامته لبعض مساجد بلدته الشنانة في كل من البلطانية والبلاعية ثم مسجد قريته «الجُديِّدة» إماماً ومعلماً في تحفيظ القرآن على مدى أكثر من ستين عاماً احتساباً لوجه الله، ومن أعماله التعاونية والخيرية بناء منازل الطين والمساجد مع جماعة قريته تعاوناً مع بعضهم، وتبرعاً وإحساناً لبعضهم الآخر. وكان يعمل بعض الأعمال في مجالات النفع العام وهي كثيرةٌ متنوعة، كما كانت له شُهرةً كبيرة كذلك في الرقية الشرعية بالقرآن بدون أجر من الناس وذلك في مسجده وفي بيته وأحياناً في بيوت المحتاجين، وقد نفع الله به نفعاً عظيماً ولاسيما مع احتسابه، واشتهر بهذا بالشنانة في هذه الأعمال معظم حياته كما كان والده مشهوراً كذلك بالاحتساب في معظم هذه الجوانب.
** **
- باحث في الدراسات التاريخية ودراسات العمل الخيري والقطاع الثالث
info@the3rdsector.org