عبدالوهاب الفايز
مساء الخميس الماضي احتفلت وزارة الصحة بتكريم الشركاء والداعمين لـ (صندوق الوقف الصحي)، وهذه المناسبة الخيرية أعادتنا إلى أجواء مناسبات الخير الرمضانية التي كانت تجمعنا قبل الجائحة. فيها كنا نرى حقيقة المجتمع السعودي الذي يتسابق قياداته ووجهائه لتقديم المساهمات العينية والنوعية للقطاع الخيري.
هذه المناسبة لصندوق الوقف، ونفحات الشهر الفضيل حيث موسم البر والإحسان، تقدم الفرصة والتوقيت المناسبين لتناول موضوع يستحق الاهتمام والعناية، وهو: ضرورة تفعيل وتمكين الوقف الصحي.
الصناديق الوقفية المخصصة للخدمات والمنافع بدأت تتطور، وفي السنوات الماضية تأسس عدد من الصناديق الوقفية، ويأتي في مقدمتها صندوق الوقف الصحي الذي يعد أحد المبادرات الوطنية الأهلية الصحية. وزارة الصحة تشكر على تبنيه، وحرصها ليكون صاحب دور قيادي يساهم في تحريك وتحفيز الجهود الأهلية الخيرية لمواجهة تحديات القطاع الصحي في بلادنا.
الصندوق يسعى لتنظيم الجهود وإشراك أفراد المجتمع وشركاته ومؤسساته في التنمية الصحية المستدامة، وأيضاً يجتهد لحفز اهتمام القائمين على الأوقاف الخاصة والعامة للمساهمة في تغطية الخدمات الصحية المتنامية.
هذا التوجه الإيجابي للأوقاف يجعلنا نطرح هذا السؤال: لماذا لا نحيل خدمات الرعاية والتأهيل الصحي إلى قطاع الأوقاف عبر إنشاء الشركات الوقفية المتخصصة والمتنوعة في المجالات الصحية مثل التعليم، الرعاية الصحية الأولية، الخدمات الوقائية، الرعاية المنزلية، وخدمات الصحة النفسية.. وغيرها. على أن يبقى دور القطاع العام في الخدمات الصحية مركزا على دعم الأبحاث والدراسات، وإجراء المسوحات المستقبلية، وتحمل تغطية تكلفة العمليات المعقدة، وتغطية احتياجات الطوارئ والظروف الخاصة.
من قصص النجاح التي يفخر بها المجتمع السعودي نجاح الجمعيات الخيرية والتعاونية الصحية خلال الستين عاما الماضية، هذه النجاحات ما زالت متواصلة، والآن لدينا أكثر من 200 جمعية صحية متخصصة تغطي أنشطتها واهتماماتها مختلف الاحتياجات والمجالات الصحية. ولدينا أيضاً عشرات الجمعيات العلمية النشيطة في برامجها. هذه الكيانات الحيوية يعترض ويؤثر على استمرار نجاحها (مشكلة الاستدامة المالية). هذه الإشكالية يمكن حلها وتجاوزها عبر تفعيل استثمارات الأوقاف، بحيث تكون المظلَّة المالية الحامية والداعمة لاستدامة وتوسع وجودة خدماتها وأنشطتها.
هذه الجمعيات تغطي نسبة مهمة من احتياجات الناس الصحية في المملكة، وتقدم الدليل العملي الواقعي على أهمية القطاع الثالث وإسهاماته والحيوية في حياة الناس. الأمر المهم في عمل هذه الجمعيات هو قلة التكلفة في تشغيل أنشطتها، مع عمق الأثر الإنساني والصحي والاجتماعي لخدماتها.
وزارة الصحة اهتمت بالأوقاف الصحية (نظرًا لما للوقف الصحي من أهمية كبيرة، في ظل التحديات الكبيرة التي تواجه القطاع الصحي، مثل: الأوبئة، وزيادة الأمراض وتنوعها، وارتفاع تكاليف الخدمة الصحية). لذا رأت الوزارة أن هذه التحديات والاحتياجات تستدعي أهمية مساهمة المجتمع بكافة فئاته في تقديم الخدمات والتبرعات.
هذا الاهتمام بالوقف الصحي ليس أمرا جديدا على المجتمعات الإسلامية، فقد كانت الأوقاف تتولى الخدمات الصحية، فمن خلال الأوقاف تقدم الرعاية الصّحة عبر إنشاء (المارستانات) أو بيت المرضى، والتي نسميها المستشفى في الوقت الحاضر. وأول دار أسست لمداواة المرضى في الإسلام بناها في دمشق الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، وجعل فيها الأطباء وأجرى عليهم الأرزاق عن طريق الأوقاف، في حين أعطى كل مُقعد خادماً يهتم بأمره، وكل ضرير قائداً يسهر على راحته.
هذا الدور العظيم للأوقاف يحتاج من يطلقه وينميه ويزيل العوائق والتحديات من أمامه، ويبني على النجاحات التي حققها.
هذا واجب الجهات الراعية الُمنظمة لقطاع الأوقاف، لدينا الاحتياجات والاختناقات في القطاع الصحي، وهذا التوجه سوف يؤدي إلى تحقيق أمور أساسية، منها مواجهة التكاليف المتنامية في القطاع الصحي الحكومي، أيضاً يساعد على توسيع الخدمات الصحية، كما سوف يأخذنا إلى أمر ضروري وهو: تحفيز المجتمع لكي يكون جزءا من الحل والمشاركة في تحمل تكاليف الخدمات الصحية، فالمجتمع مساهم رئيس في توسعة الطلب على الخدمات، بالذات مع تغيير نمط الحياة، ودخول عادات غذائية سلبية، وقلة النوم وما يترتب عليها من تبعات وأمراض مزمنة للجهاز الهضمي.
أيضاً يؤدي إلى أمر مهم وهو: تنمية الإحساس بالمواطنة. كل هذه الأمور محفزه وداعمة لهذا التوجه بشكل جدي وقوي. وهذه المنافع تتطلب (تطوير منظومة قطع الأوقاف) في المملكة، وتحفيز مشاريعه، ودعم القائمين عليه، ومعالجة الجوانب التشريعية التي تخص الزكاة والرسوم والضرائب، فهذه الأمور تثقل وتكبل القطاع، وقد تحرمنا دوره الأساسي المحوري في الخدمات الصحية.