صبحي شبانة
في زمن التحولات الكبرى تلعب الكاريزما الشخصية دورًا مهمًا في التعبير الحقيقي عن نفسها بلا تصنع أو دعاية، فالكوامن الداخلية للإنسان سرعان ما تطغى، وتفرض حضورها، وتظهر في المواقف الملتبسة التي تستلزم وتفرض تحديد الوجهة والهدف، ولا يمكن للدعاية المعاكسة مهما بلغت سطوتها، وتنوعت أقنيتها أن تنجح في نواياها المغرضة للنيل ممن امتحنتهم الأقدار، وصقلتهم التحديات الجسام، وباركت السماء خطواتهم، وآمنت شعوبهم بتوجهاتهم وأهدافهم، قليل بل نادر من أولئك يتذكرهم التاريخ بما أسدوه من فضائل، وحققوه من إنجازات لشعوبهم وأوطانهم وللبشرية، فالتاريخ لا يحابي أحدًا، ولا يجامل كائنًا، فالزعيم الحقيقي هو القادر على أن يصدح ويزأر بقول «لا» في وجه أعتى القوى، وفي أحلك الظروف وأصعب المواقف.
يجمع الكثير من المحللين والمفكرين وحتى قراء الطالع على أن العام الحالي 2022، سوف يشهد تحولات كبرى ودراماتيكية على صعيد القوى الدولية، لاحت بوادرها مع الحرب الروسية على أوكرانيا، التي تدور رحاها في ظل أزمة اقتصادية عالمية خانقة وطاحنة أجبرت دول على إشهار إفلاسها و»الحبل على الجرار»، بعدما تضررت دول العالم من الإغلاق الذي فرضه وباء كورونا لمدة عامين، ومن الطبيعي والمتوقع، وطبقًا لما مرت به البشرية عبر قرون طويلة مضت، فإن الأوبئة تعقبها حروب كبرى وكساد اقتصادي عظيم، ومن ثم تغير جيوسياسي ربما يأخذ بعض الوقت، لكنه حتمًا سوف يحدث، هكذا على مر التاريخ، والتاريخ علمنا بأنه يكرر نفسه في أزمان مختلفة، وبآليات وظروف مغايرة.
في ظل هذه الأجواء السياسية الغائمة، والتحولات التي لم تكتمل، وعالم فقد كثيرًا من قدراته وهويته وإنسانيته، وحرب شبه كونية الجميع فيها خاسر، إلا نحن العرب إذا استثمرنا قدراتنا، وصوبنا قرارنا، وحددنا وجهتنا وهدفنا، وأعلنا انحيازنا الكامل والمطلق إلى مصالحنا، هذا هو ما فعلته غالبية الدول العربية، وفي الطليعة منها المملكة العربية السعودية بعد أن أعلن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان موقف المملكة الواضح سواء فيما يتعلق برفضه طلب الولايات المتحدة الامريكية بزيادة إنتاج النفط، أو رفضه الرد على اتصال هاتفي من الرئيس الأمريكي جو بايدن في الوقت الذي لايزال ينتظر فيه الكثير من زعماء العالم بجوار الهاتف منذ أكثر من عام اتصالاً من بايدن!!! ، فالمجد لمن قال «لا «، و «لا» قالها ولي العهد الشاب للرئيس الأمريكي، ومن قبله قالها قبل سنوات للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إثر خلاف وقتها بين منظمة أوبك، وأوبك بلس على تحديد وخفض حصص الإنتاج للتحكم في أسعار النفط، إن «لا» أو «نعم» في عقيدة الأمير محمد بن سلمان تحددها مصلحة المملكة والأمتين العربية والإسلامية، هذا هو ديدن القيادة السعودية طيلة أكثر من تسعة عقود ولمن شاء عليه أن يراجع التاريخ جيدًا.
لقد تمكن ولي العهد باقتدار أن يعيد هندسة علاقات المملكة بالقوى الدولية والإقليمية، ونجح بامتياز في رسم خريطة دولية جديدة للعالم تكون الرياض محورها ونقطة ارتكازها، وعنصرًا أساسيًا وفاعلاً في توجيه بوصلة السياسة الدولية، ففي عهده أصبحت الدولة السعودية الجديدة رقمًا لا يمكن لأحد أن يتجاوزها، بل بات بمقدورها أن ترفع قوى وتضع أخرى، وأدركت الصين القوة البديلة والجاهزة والمتحفزة ذلك، فلم يفوت رئيسها «شي جين بينغ» الفرصة فأجرى اتصالاً هاتفيًا بولي العهد ليبحث معه أوجه العلاقات الثنائية بين الدولتين وسبل تطويرها، ومن قبله فعل الرئيس الروسي بوتين، وغيرهم من زعماء العالم فعلوا مثلما فعلوا.
العالم الجديد الذي يتشكل الآن يحتاج إلى عقليات أكثر إدراكًا ووعيًا بكوامن قوتها وبقدرات شعوبها، وعوامل الضعف التي اعترت القوة العظمى الوحيدة في العالم التي تتجه إلى الأفول بعد أن هيمنت لعقود، آن لها أن تنزوي خلف المحيط تلملم بقاياها، علها تستفيق وتندم وتعاقب رئيسها وتدرك أن الشريان الذي أطال الأمد في عمرها كان يضخ فيها عناصر قوتها من هنا، من هذه الأرض التي يُسهم شعبها الآن في التأسيس لعالم جديد تعلو فيه القيم الإنسانية،، أليست هي مملكة الإنسانية؟.