م.مصعب الداوود
في عام 571 للميلاد حدث ذاك الحادث المهيب الذي أصبح حديث الناس في وقته، ذلك الحدث الذي تجاوز زمانه وملئت به محابر الكتب وغصت به دروس السير، إنها حادثة الفيل وذلك عندما أراد أبرهة الحبشي هدم الكعبة فأرسل الله عليه الطير الأبابيل، ذلك الحدث زاد البلد الحرام تشريفًا على تشريفه منذ زمن الخليل إبراهيم، وزاد مكة المكرمة عزة وشموخًا ضد كل معتدٍ. في ذلك الوقت كانت عبادة الأصنام منتشرة في جزيرة العرب، وكانت الجاهلية على أشدها، فقد كان عرب الجاهلية يئدون بناتهم خوف العار، ويقتلون أولادهم خشية الفقر. كانت الخمور منتشرة، وكان من يحكم مكة هم السادة والصناديد من قريش، كان الناس في حاجة ماسة إلى تصحيح كبير وسريع للمسار الذي يعيشون فيه، لم يكن هناك دين يحكم تعامل الناس فالقوي يأكل الضعيف، ولم يبقَ في ذلك الوقت على التوحيد إلا بقايا من أهل الكتاب أو من الحنيفية مثل سعيد بن زيد بن عمرو وورقة بن نوفل، ثم كانت البشرى الكبرى لأهل مكة التي عمت العرب خاصة والعالمين عامة، حيث وُلِد الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام. كان ذلك حدثًا عظيمًا. كانت لولادته عليه الصلاة والسلام إشارات وعلامات ظهرت في دولة فارس، حيث سقطت فيه 14 شرفة من إيوان كسرى، وانطفأت نار المجوس. عاش هذا النبي الأكرم يتيم الأب منذ ولادته تم توفيت أمه وهو ابن ست سنين، ثم كفله جده عبدالمطلب إلى أن مات وعمره ثماني سنوات. كانت الحياة قاسية، والظروف صعبة، خاصة عندما يفقد الإنسان أغلى ما يملك، ولم يصل بعد إلى عمر البلوغ. كان عليه الصلاة والسلام معروفًا بصفات كثيرة، جعلت له المكانة والهيبة في نفوس الناس. كان معروفًا بالصدق والأمانة عند قريش، وتجلى ذلك في بعض الأحداث، مثل حادثة الحجر الأسود؛ إذ اختير ليكون واضع الحجر الأسود لأمانته وصدقه. في سن الخامسة والعشرين تزوج عليه الصلاة والسلام بأم المؤمنين خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها-، وأنجب منها جميع أبنائه إلا إبراهيم كان من مارية القبطية.
بدأت حياة النبوة عند سن الأربعين، وذلك عندما نزل عليه القرآن عن طريق جبريل عليه السلام بفواتح سورة اقرأ، ومع نزول القرآن بدأت سنوات البعثة، حيث تنزل عليه القرآن مفرقًا لثلاث وعشرين سنة تثبيتًا لفؤاده. أنذر عشيرته المقربة فأسلم أولاً زوجته خديجة وعلي بن أبي طالب وأبو بكر الصديق، ثم جاءه الأمر الرباني بتبليغ الدعوة لأهل مكة، فلاقى منهم الأذى، وتعرّض بعض أصحابه للتعذيب لأجل أنهم تمسكوا بهذا الدين الذي خاف صناديد قريش أن ينازع دينهم وآلهتهم التي عبدوها من دون الله. بسبب ذلك الأذى هاجر بعض أصحابه إلى الحبشة، وبقي من بقي في مكة. أراد الله سبحانه لنبيه أن يهاجر إلى أرض تكون مأوى لأهل الإيمان، هي المدينة المنورة فهاجر معه صاحبه أبو بكر الصديق، ووجد الحفاوة الكبيرة من أهل المدينة، وهم الأنصار من الأوس والخزرج. كانت الهجرة بداية لعصر جديد للدولة الإسلامية؛ إذ تمكن المسلمون من بناء الدولة الإسلامية، وأصبح نبينا -عليه الصلاة والسلام- الرجل الأول للدولة، وقائد الجيوش الإسلامية. كانت معركة بدر في شهر رمضان المبارك يومًا عظيمًا وفرقانًا بين الحق والباطل، حيث انتصر فيه جيش الصحابة على جيش مشركي مكة، وبدأت شوكة أهل مكة تضعف، ثم انتصروا على تحالف الشر الذي جمع المشركين واليهود في يوم الخندق، وتتالت تلك الانتصارات حتى حصل ذلك الانتصار الكبير، وذلك في معركة فتح مكة، وأُزيلت الأصنام من الكعبة، وأصبحت مكة حرامًا على المشركين بعد عامهم، ثم توالت الوفود، ودخل الناس في دين الله أفواجًا. إنها لدروس وعِبر يستلهما الفرد من السيرة النبوية، أهمها الصبر وانتظار الفرج والعفو، والصفح عن من ظلم، والرحمة، وعدم قتل غير المحارب، والرأفة بالضعيف، وتقدير الكبير، والتجرد من الدنيا.. كلها دروس عظيمة، تُستقى بقراءة سيرة أعظم شخص في التاريخ.