علي الخزيم
لم ينتهِ شهر رمضان المبارك؛ شهر الخير والتسامح دون تسجيل وقائع مؤسفة من المشاحنات والملاسنات بزحام الطرق وبالأسواق وأماكن العمل وغيرها؛ ومع أن الشهر العظيم كله رحمة ووئام والتئام أُسري ومجتمعي، غير أن أفرادًا من المجتمعات المسلمة التي تصوم رمضان إيمانًا واحتسابًا ينهزمون ويضعفون أمام توفُّز الأعصاب ومثيرات القلق ومواقف الاختلاف بنهار رمضان، وينسون أو يتناسون أن من حكمة الصيام الابتلاء والاختبار لمدى درجات الصبر والتحمل، وقدرة الأعصاب والمشاعر على الانضباط، وصلابة القلب والعقل أمام المثيرات للتحكم بردود الأفعال بين العاطفة ومُخرَجات تحليلات العقل لأبعاد المواقف المثيرة، وحينها سيكون العقل محل اختبار حقيقي لمعالجة الحدث والسيطرة على فورة العواطف وتقرير الصحيح الأنسب من الحلول الآنية قبل تطور وتشعب الموقف إلى ما يمكن أن يؤدي إلى مزيدٍ من الشجار والتشابك؛ وما يفرزه من إصابات ودماء، هذا على افتراض انفضاض التعارك دون وفيات بموقع الحدث أو بعد النقل للمستشفى دماغيًا أو نهائيًا، ليست مبالغات أو افتراضات بل هي تحدث بالفعل ونقلتها مقاطع مصورة خلال الشهر الكريم، سيقول أحدهم إنها حالات فردية، نعم ولم يزعم أحد أنها جماعية فمجتمعاتنا الإسلامية ولله الحمد بغالبها تُقدّر روحانية الشهر الفضيل وتعرف حكمة الصوم بكل أبعادها، لذلك كان الحديث هنا عن الاستثناء لا القاعدة.
وثمة حوادث مستترة بالمنازل ربما تكون بين الزوجين، كأن تصل الزوجة من العمل مجهدة جسديًا ويزيدها قلقًا ما ينتظرها من عمل مطبخي، يضاف إلى ذلك متطلبات ورعاية الأطفال إن وجدوا فذلك واجب حتمي على ربة المنزل قد يشغلها عن الالتزام بكل ما يريده الزوج ويُفضّله على سفرة الإفطار، ويومًا بعد يوم وقبل منتصف الشهر يكون الزوج قد شعر بضيق أوحى له بأن الزوجة تستغل صمته وصبره لتتجاهل رغباته بتقديم أطباق أشهى للنفس بعد الصيام، ومن ثم تنطلق من لسان الزوج كُليمات خجولة مُتذمّرة؛ وتتصنع الزوجة أنها لم تسمع أو لم تدرك المعنى المراد، فيزيد الحنق بالزوج لينتهز أي حركة يعدّها غير مقبولة منها أو من الأطفال ليثور ليس بسببها إنما ليمرر ما يجول بخاطره؛ وينْحِي باللائمة عليها، وإن مَرَدّ ذلك لأنها غير مُهتمة به وبرغباته وراحته، وإن همها الأكبر عملها ليس إلا! هنا تتقابس الأعين والقلوب والمشاعر، وترعد الألسن بكلمات غير مرغوبة أبدًا بين زوجين كانا منذ أيام على أحسن حال من السعادة والصفاء، فحين تغيب الحكمة عنهما أو أحدهما فإن الحال سينقلب للأسوأ إن لم يتداركا الموقف.
وكيف يمكن احتواء مثل هذه المواقف؟ بنظري المتواضع جدًا أن الاحتواء يمكن أن يبدأ بعدم حصول الموقف ذاته، وهذا يلزمه مع نيَّة الصيام النيَّة المُسبقة بنهر الأعصاب عن غيها، وتلقين العقل الباطني والظاهري بأن الأمور لا تقاس برمضان كما تقاس بغيره من الشهور، مع تقييد المشاعر عن الشطحات الخلافية التقليدية كتلك التي يمكن تجاوزها (خارج رمضان).