د.عبد العزيز بن محمد الغزي
ولما ورد: (روحوا عن القلوب تارة وتارة) الحديث، قمت وأخي الشيخ/ عبدالرحمن بن محمد الغزي والصديق الشيخ/ سليمان بن فالح الفالح وأبنائي وأحفادي آخر شهر شعبان للعام 1443هـ برحلة تنزه إلى «متنزه ثادق الوطني»، فبدأنا بالتجول من الناحية الغربية حيث الصورة الحية لنتاج العمل المشترك!! من قبل إدارة المتنزه والمشاركات المجتمعية تحت إشراف المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي وقد جئنا على مساحة واسعة من المتنزه فشاهدنا ما يلي:
1- كثافة الأشجار الطبيعية والمستزرعة بتقنية المصائد المائية، ومنها: الطلح النجدي والطلح العراقي وطلح الرديانا والسدر البري والجبلي والسلم والحور الفراتي والسيال والصمغ العربي والبان العربي والغاف الرمادي والآثاب والتنضب والهجليج والعرن والمرخ والأرطى والغضا والرتم والأراك والزهر، زرعت في أجزاء على مساحات مختلفة من مساحة المتنزه الإجمالية وقدرها مئتان وستون مليون متر.
2- عودة الغطاء النباتي وبكثافةٍ طبيعياً كان أو مستزرعاً بطريقة نثر البذور، مما جعل التنوع ظاهراً والأزهار أصنافاً وألواناً نتيجة الحماية الجادة كما هي في الصمان والدهناء.
3- المدرجات الصخرية وقد بلغ ما أقيم منها مائة مدرج بأحجامها المتفاوتة، حسب متطلبات المواقع اتساعاً وضيقاً، تقام ببذل وعمل وجهود الأسر الثادقية والأفراد منها، مما أعطى تنظيماً دقيقاً وانتشاراً واسعاً لجريان السيول وفق المحافظة على التربة النباتية من الانجراف.
4- القلات مهماكان طبيعياً أو مصطنعاً لحفظ المياه للحياة الفطرية بتنوعها.
5- الكهوف الطبيعية المنتشرة في الجبال والمصطنعة منها، أقامته سواعد شباب المحافظة المتوثب والمتحمس لخدمة وطنه إنشاءً وبذلاً مثل «كهف أم الدروب»، وقد شاقنا منظره جداً فاسترحنا فيه استراحة جميلة احتسينا خلالها القهوة.
6- المشتل الواسع المغذي لهذا المتنزه بمتطلباته المستزرعة من الأشجار والمتعدي نفعه لمحافظات كثيرة في مملكتنا العزيزة وبما يقوم بينه وبين المشاتل الأخرى في أنحاء المملكة من تجارب وتبادل في المستزرعات النادرة والبذور المحتاج إليها في كل مشتل، مما جعل له السيرورة والشهرة الواسعة لدى الدول المجاورة جعل بعض المهتمين منها يقوم بزيارات لهذا المشتل والمتنزه.
7- المستزرع من الأشجار محلية أو مستجلبة بلغ عددها مائة وخمسين ألفاً كلها علقت الأرض ونمت.
8- الأبحاث من قبل المهتمين وهواة التزود المعرفي في أسماء الأشجار وتنوعها مستزرعة وطبيعية يأتون إلى هذا المتنزه ليشبعوا نهمهم في زيادة المعرفة مما هو موجود في هذا المتنزه من النباتات المحلية مما يوجد فيه بكثرة ويقل في غيره أو قد يعدم، مما جعل من المتنزه متحفاً بيئياً مفتوحاً.
9- كثرة الرواد من جنسيات مختلفة يشد الانتباه ولعُهم في البيئة والمحافظة عليها، مما يدفع بالمواطن إلى أن يكون هو المثال المقتدى به في كل موقع من مملكتنا الحبيبة.
10- الجهات المشاركة رسمياً مثل وزارة التعليم ممثلة بكرسي التغير المناخي بجامعة الملك سعود وجامعة شقراء وجامعة الملك فيصل ومدارس التعليم ومحافظة ثادق والبلدية والشرطة والدفاع المدني والمرور ونادي المحمل ومنظمات عالمية مثل منظمة الفاو وبعض إدارات الأمم المتحدة بالرياض وجوالي الرياض وجمعيات خيرية بيئية مثل جمعية فسيل وجمعية آفاق الخضراء وجمعية سدير الخضراء وكشافة المجمعة وشركات الماريوت العالمية وشركة المراعي وغيرها من المؤسسات والشركات.
11- المعدات المتنوعة والمتخصصة في الردم والتسوية وإقامة المدرجات الصخرية وصيانة القنوات المتفرعة من الأودية وحفر مصائد المياه لتستزرع جديداً وصهاريج المياه لسقي المستزرع، يقودها شباب متوثب من أبناء المحافظة المغرم في خدمة الوطن متطلعاً لرؤية هذا المتنزه وقد أخذ المبادرة في رؤية سمو ولي العهد بجعل المملكة خضراء جذابة وليرى هذا المتفاني في عمله الباذل لجهده وماله هذا المتنزه وقد أخذ موقعه سياحياً ومناخياً في مكافحة التصحر والاحتباس الحراري.
12- جهود وزارة البيئة والمياه والزراعة ممثلة بمعالي وزيرها الذي دشن المشروع بتاريخ 27-2-1441هـ بتشجير خمسين ألف شتلة ومدير المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر ومدير عام المتنزهات في الوزارة ومدير متنزه ثادق الوطني ومدير الزراعة في ثادق والمواطنين في ثادق رجالاً ونساء، التقت أيديهم متضافرة في هذا العمل الجبار في هذا المتنزه حتى وصل إلى ما هو عليه من شهرة وسيرورة ذكر، فالشكر لمعالي الوزير ولفريقه العامل معه إشرافاً وميداناً وبذلاً وجهداً، والخير مقبل بحول الله تعالى، ولا أنسى أن أشكر محافظ ثادق ومدير بلديتها ورابطة ثادق الخضراء وكل جهة لها بصمة في هذا المتنزه، آملاً أن تجتمع الأيدي الكريمة على ما يبني؛ لنرى هذا المتنزه وقد أخذ موقعه العالمي في منطقة كانت قبلاً صحراء جرداء نشاهدها اليوم وهي آخذة بالعودة إلى أن تكون مروجاً خضراء وغابات كثيفة تزان بعمل الأيدي الكريمة وبالحياة الفطرية من الغزلان والأرانب والوبر ومن الطيور المحلية من الحجل والدرجان والحمام البري ومن المهاجرة مثل الحباري والقماري والصفاري والخضاري والجوارح بأنواعها وفصائلها نسوراً وعقباناً وصقوراً، وهناك نجد متنزهنا الوطني الثادقي في المملكة العربية السعودية وقد أخذ مكانه اللائق بين مصاف المتنزهات العالمية قريباً بتوفيق الله، ولذا جاءت قصيدة ثادق:
أثادق يا مهد الأصالة والمجد
ومن حافظت يوم الرهان على العهد
وفيتِ وأوفيتِ الصوارم حقها
شواهدها بين القلائص والجرد
فما تستطيب العيش إلا إلى العلا
مقاما وأمرٌ غيرُ ذا واجب الرد
ولم يثنها خوف الحتوف ولا الردى
يشوق لها لو أن مسلكه يردي
ثلاثة أطوار تواصل عهدها
تفي كلما زاد البلاء عن الحد
فكم خفقت في سوح مجدك راية
لنصرة رايات الوفاء على الضد
وكم حمحمت خيل وحنت ركائب
وما وهنت في الصدر يوماً ولا الورد
حبيتِ خلالاً في الخلال عصية
تعز على إلاك في ساعة الجد
إذا أوجفت للضد أسقته علقما
وللصحب تبقى الذوق في لذة الشهد
زمان مضى واليوم يشهد حاضر
وقد عم فيض الخير في الأمن والرغد
تسير بركب السابقين أئمة
وكل إمام فهو في نهجه مهدي
تواكب ركب القائدين حثيثة
موثَّقة الإحكام موثَقة العقد
وما كان من شيء محال بلوغه
إذا نحن لم نكسل وسرنا على قصد
لنشهد هاتيك المفاوز جنة
ومملكة خضراء تحفل بالسعد
توافق ما جاء اتفاقا نُجلّه
بنظرة آسٍ في مصالحنا تُجدي
أليس ولي العهد قال صراحة؟
سنجعلها خضراء تزهر بالورد
لذاك ولو يوما مررت بسوحها
لشاهدت ما يبدو على الأرض من جهد
تنافس فيه الباذلون تنافسا
على إثر من ساروا على منهج الرشد
مواطنها لم يألُ جهدا ببذله
وحكامها أهل الفضائل والحمد
وقفتم رجالا لا تخاذل بينکم
وروداً إلى خيرٍ وما عنه من صد
بذلتم فأجزلتم وتلكم سجية
تأست بها بنت الأكارم بالرفد
فصيرتم القاع الجديب خمائلا
يذكرنا العهد القديم بما يبدي
يجدد ما يروى وما كان شاهدا
ومن سار في نهج الفضيلة يستهدي
هي الحسن وصفا بل أتى الحسن دونها
تُماثل غابات الأمازون والسند
تعيد لنا وجه الجزيرة ناضرا
يفوح به أيك الأراكة والنَّد
أراها بما فاق الجمال تجملا
فيا ليتها فيما زها حسنه تعدي
وإني ولا غيري يلم بوصفها
ولو أنه ما قيل عنه الفتى الأزدي
ومن زارها قبلا وعاد زيارة
سيلقى بها ما سوف يذكره بعدي
فزرها تجد للنفس متعة أنسها
خمائل أيكٍ محكم النظم والنضد
إذا جئت مرتاداً وجدت أظلة
مهيأة تغنيك في الحر والبرد
تفيأ بها ما شئت من ظل دوحة
ومن ظل كهف غاية النفس ممتد
أيا ذا الوزير الشهم أحسنت خطة
لك الشكر في الأعماق غير الذي نبدي
يساق إلى تلك الجهود التي نرى
تضافرها في كل ما خيره يندي
لذاك ومن يصدق يجد أن صدقه
يبلغه الآمال في السهل والنكد
أقول وما قلت ادعاءً وفرية
وإني بقول الحق لست بمستجد
ومن شاء يحصي ما رأيت فإنه
سيعيا بما يلقى من الصنف والعد
ستبهره الأشجار في كل موضع
وتعجزه الأصناف في اللون والقد
فحدث وقل ما شئت عما رأيته
تكامل من مرأى ومن عمل فردي
مئينٌ من الآلاف بل زاد عدها
وما قام فيها من كهوف ومن سد
تنوع أغراس وإحكام سقيها
وإجراء ترعات إلى منتهى الرصد
فقل كلما شاهدت منها خميلة
سقاك قنيف المزن هاطله يمدي
سقاك بما أولاك كل عشية
کريم عطاء ليس يخلف في الوعد
وخصك تخصيص المحب حبيبه
شآبيب مزن هادئ البرق والرعد
حبيٌّ تحابى بعضه نحو بعضه
يلامس وجه الأرض خدا إلى خد
يفيض به وادٍ وشعبٌ وتلعة
إلى غاية في القرب منه وفي البعد
يحقق آمالا ويُبلغ غاية
تمد لها الأعناق مهدى إلى مهدي
منى كل نفس تستطيب تنزها
وبغية مشتاق إلى رؤية الرند
وشم عرار بل وإمتاع نظرة
إذا ابتسمت تلك الزهور بما تهدي
فما يستوي «حَزن» لعمرك مجدب
وأيكٌ به نفسي تتوق إلى الخلد
وإني وإذ أهوى البلاد جميعها
فليس سوى نجدٍ تعلّقها وجدي