د.عوض بن خزيم الأسمري
لعبت الأقمار الاصطناعية التجارية دوراً حيوياً في جمع وتحليل المعلومات وفي نفس لحظة حدوثها، وهو ما اعتمدت عليه الولايات المتحدة عندما تتحدث عن استعدادات القوات الروسية على الحدود مع دولة أوكرانيا، كذلك لم تعد المعلومات الاستخباراتية الفورية تأتي فقط من أقمار التجسس أو من الجواسيس على الأرض لمعرفة استعدادات الجيوش للحرب كما كان عليه الحال في الماضي، بل أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي مصدرًا مهماً لتحليل المعلومات، كما سمحت هذه التقنيات أيضاً للمؤسسات الإخبارية بمتابعة ما يجري على أرض المعركة.
على مدى الأشهر الماضية وبالاطلاع على مجريات الحرب الراهنة فيما بين دولة روسيا ودولة أوكرانيا اتضح أن هناك قوة - ناعمة - جديدة لها بالغ الأثر على مجريات الحرب، حيث إنه لم يكن لها وجود - مؤثر - في حروب القرن العشرين. لقد كان هناك دور واضح ومؤثر على مجريات الأحداث من خلال الصور والفيديوهات الجوية ذات الكفاءة والمصداقية العالية، حيث إن هذه الأقمار الاصطناعية التجارية الجديدة صممت للعمل تحت أي ظروف بفضل ما تحويه من تقنيات عالية في مجالات عدة ومنها على سبيل المثال:
تقنيات الاستشعار عن بعد، وتقنيات الصور الرقمية ذات الاستبانة العالية، وتقنيات الحساسات الحرارية والضوئية والكاميرات ذات الجودة والكفاءة العالية.
صممت هذه الأقمار كي تعمل على مدار 24 ساعة بغض النظر عن الظروف الجوية، حيث إنها تستخدم تقنيات متطورة بما يخص التقاط صور دقيقة رغم بعد المسافة فيما بين القمر والأرض، إضافة إلى الحركة السريعة للقمر وتحرك الكاميرة في اتجاهات مختلفة.
من أشهر الشركات العالمية في هذا المجال شركة ماكسار لتكنولوجيا الفضاء والمتعاقدة مع وكالة الفضاء الأمريكية ناسا (NASA) للمساعدة في بناء محطات ومنصات في الفضاء.
شكلت شركة ماكسار تكنولوجي الأمريكية التجارية الخاصة علامة فارقة في توثيق صور ومشاهد غزو روسيا على أوكرانيا، حيث إن هذه الأقمار تستطيع تحديد وفهم التغيرات على سطح الأرض عند مقياس صغير جدًا. فقد صممت لمراقبة سطح الكرة الأرضية للحصول على معلومات حول الأنشطة البيئية.
وبهذا أصبحت هذه الشركة تمتلك معلومات مهمة لا تقدر بثمن، حيث إنها تساعد المستفيد (المستخدم) على تحليل هذه البيانات، واتخاذ القرار المناسب.
ذكر أحد التقارير أن شركة ماكسار استطاعت التقاط أعظم صورة في تاريخ الحروب لأطول رتل عسكري من المدرعات يبلغ طوله 64 كيلومترًا للقوات الروسية قبل غزوها أوكرانيا.
تم اكتشاف هذا التحرك العسكري بوقت طويل قبل إعلان الرئيس الروسي الحرب. ساعدت هذه الصور الجيش الأوكراني في الحرب والمقاومة وفي اتخاذ القرارات المناسبة. بل شاركت معظم شركات الاتصالات ووسائل التواصل الاجتماعي الغربية في خدمة أوكرانيا بصفة خاصة وخدمة حلف الناتو ودول الغرب بصفة عامة. وقد سخرت هذه الشركات كل إمكانيتها لخدمة دول الغرب وحلف الناتو، وهذا بإيعاز من دول الحلف وحلفائهم. إذ إنها لن تخدم طرف على حساب آخر إلا بقرار سياسي موحد. كون معظم هذه الشركات تنتمي إلى دول الغرب وعلى وجه الخصوص أمريكا والتي سخرت جهودها في خدمة قضاياها ومصيرها وتعتبر هذه ظاهرة جديدة وعنصر جديد في حروب القرن الواحد والعشرين وهذه قد تشكل تفوق نسبي على القوة العسكرية مهما بلغ وعظم قوتها، لأن الحرب أصبحت حرب معلومات بالدرجة الأولى. تعاطف هذه الشركات التقنية والمعلوماتية مع أوكرانيا يعطيها تفوق في المجالات الاستخباراتية والتحكم والسيطرة في ميدان المعركة، إضافة إلى التفوق في مجال الشائعات والإعلام والحرب المعنوية.
ختاماً حصلت أوكرانيا من الدعم في مجال حرب المعلومات الاستخباراتية ما يزيد بكثير عن إمكانياتها الحقيقية، وهذا يؤكد أن من يمتلك المعلومات ويستطيع حمايتها وتحليلها، فأنه يمتلك عنصر - مهم جدًا - من عناصر القوة.