د.سماح ضاوي العصيمي
المجتمعات الثرية بالمعارف والفنون والأفكار الفاعلة في مختلف الحقول الثقافية في غالبها مجتمعات مزدهرة اقتصاديًا وذات رتم متصاعد في تحسين جودة حياة أفرادها؛ فقد استوعبت هذه المجتمعات آلية تسخير الثقافة في توسّع الأفكار وأنه لن يكون هناك استدامة تنموية أو استقرار قومي أو مسؤولية مجتمعية ناجعة إلا من خلال مزج المعارف الثقافية وفنونها في المشروعات المجتمعية والحضارية حتى أصبح لثقافتها نُبلاء ولأفكارها فرسان ولرؤيتها الحضارية رواد.
على عكس المجتمعات المهجورة ثقافيًا والتي تختزلها أفكار عابرة ذات أدلجة وغايات تتقاطع حتمًا مع أبجديات الأخلاق الإنسانية ومصلحة المجتمع وتنميته؛ فينعكس ذلك تباعًا على واقعه وفق هذا الاختزال فيحصل العجز الاقتصادي وينتشر الفقر والشعوذة وكراهية الآخر ورفض المعارف المتنوعة؛ منتجًا أفرادًا كُسالى يحملون ثقافة عدائية وأفكارًا مؤامراتية تجاه أي خطة أو سياسة تنموية تصب في سبيل نهضتهم.
وقد منَّ الله على المجتمع السعودي نواة حضارية شكلتها ثقافة عريقة مستقلة، وقابلية في اكتساب المعارف النقية والخادمة بصورة فطرية وعفوية، ويدعم ذلك مجال متعطش بتوظيف الثقافة في مجالات المعرفة المختلفة، ومما لا شك فيه أن المجتمع السعودي يعيش حاضرًا في بوتقة تقبل معادلات الأفكار المختلفة والمتكافئة لصناعة بيئة تفاعلية تنهض بالمجتمع وفق خريطة تطويرية ورؤية مستقبلية تليق بثقافته ومعارفه؛ فالرؤية التنموية الوطنية بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان آل سعود قرأت مبكرًا أن الوهن الثقافي والهزالة الفكرية هي إنذار لمحارق المعارف وبالتالي صوملة المجتمعات وتسولها الاقتصادي؛ فكان أهم ركائز الرؤية هو استثمار الثقافة، وما يتصل بها من روافد فكرية وإذكاء للأفكار المتنوعة بجد وتفانٍ وبتوجيه مستمر بفحص الأفكار وتأهيلها لإعمار المجتمع وتحسين نمط معيشته ورخائه الاقتصادي والمعرفي.
** **
- محاضرة في جامعة طيبة