د.عبدالله بن موسى الطاير
تويتر يحتل موقعا متأخرا في تفضيل المستخدمين على مستوى العالم، وتسبقه في الترتيب منصات أخرى منها TikTok الحديثة نسبيا، لكنه يواصل تصدره في مفضلة الساسة، والنخب، ورجال المال والأعمال. الأيام الماضية كان تويتر هو الحدث بدلا من تغطيته وصناعته الأحداث، فرجل الأعمال الأمريكي المثير للجدل أشعل موقع تويير بعدة تغريدات تهاجم منصة تويتر وتسخر منها، لتتكشف تلك الحملة عن تملك 9 % من أسهم الشركة، كأكبر مساهم فيها.
سأل أيلون ماسك في تغريدة عما إذا كان تويتر يحتضر؟ وكان قد استبق ذلك في الأسبوع الأخير من مارس باستفتاء حول سؤال قال فيه: «حرية التعبير ضرورية لديمقراطية فاعلة، هل تعتقد أن تويتر يلتزم بصرامة بهذا المبدأ؟ وقد استجاب للسؤال نحو مليوني مستخدم قال 70 % منهم إن تويتر غير ملتزم بهذا المبدأ، وفق مقالة نشرتها صحيفة واشنطن بوست. وأعتقد أن أتباع الرئيس السابق ترامب (المحظور من التغريد) قد أسهموا في هذه الإجابة، إضافة إلى المستخدمين الذين رأوا كيف تحيزت المنصة، واصطفت إلى جانب الليبرالية الديموقراطية؛ ظالمة أو مظلومة، في حرب روسيا على أوكرانيا.
وقبل أن يمتلك أيلون مساك 9 % من أسهم توتير، ليكون أكبر مالك في الشركة، خضع (لمسح أمني) للتأكد من أنه لا يمثل خطورة على الشركة. ولأن السيد ماسك ليس شخصية مستقرة، فإن قراراته لا يمكن التنبؤ بها، ومن ذلك رفضه أن يكون عضوا في مجلس الأمناء.
قبل أن يعلن رفضه عضوية مجلس الأمناء، رأى المحافظون الأمريكيون أن انضمام ماسك إلى مجلس الإدارة سيؤدي إلى تخفيف سياسات المحتوى في الشركة، وربما إلغاء الحظر الذي فرضه تويتر على الرئيس السابق دونالد ترامب، بحسب مقالة واشنطن بوست. ربما على العكس من هذا المطلب، ذهب مالك أكبر حصة في تويتر إلى أهمية الحد من انتشار الحسابات الوهمية على تويتر، وقدم مقترحه في هذا المجال، لكنه لا يستطيع تنفيذه من خارج مجلس الإدارة. ولم يتوقف أيلون ماسك عند هذا الحد من الجدل، وإنما عرض شراء المنصة كاملة، وتحويلها إلى ملكية خاصة، وهو ما دفع ببعض المساهمين إلى رفض الفكرة، كما رفضها العديد من المحليين الأمريكيين الذين يرون أن الصفقة لو تمت فسوف تخول ماسك توجيه الرأي العام لمصلحته، ولما يؤمن به.
لست معنيا كثيرا بمن اشترى في تويتر ومن لم يشتر، ولكني أجد في شخصية أيلون ماسك تكرارا لشخصية الرئيس ترامب. وإذا كان ماسك يفكر في السياسة مستقبلا فإنه بحاجة إلى شراء منصة للتعبير يملك قرارها حتى لا يحرم منها مستقبلا كما حرم الرئيس ترامب.
وعلى الرغم من أيلون ماسك قد صرح بأنه غير منتم حزبيا وأنه مقيد في قوائم الناخبين كمستقل، فإنه يعرف نفسه على أنه ليبرالي اجتماعيا، ومحافظ ماليا، وأنه يدعم الحزبين ماديا. وهذا التوضيح لا يمنع أن يتأرجح ماسك بين الحزبين كما فعل ترامب الذي انتمى للديموقراطيين والجمهوريين وكان مستقلا في بعض الفترات.
وبالنظر إلى الخارطة الحزبية في أمريكا يكون ترامب قد أغلق الحزب في وجه إيلون مساك، فترامب لا يقبل بمنافس له شعبية ماسك، ويفوقه في الثروة، ويتفوق عليه في عامل العمر؛ ففي حين يبلغ ترامب من العمر 76 عامًا، لا يتجاوز ماسك 51 عامًا. ومع ذلك فإن ترامب يسيطر على الجمهوريين، ولن يجد ماسك طريقه ولا فرصته في الحزب، ولذلك فإذا قرر ماسك الانخراط في السياسة، والسعي نحو البيت الأبيض، فليس أمامه سوى الحزب الديموقراطي الذي يعاني من ضعف القيادة ويحتاج إلى شخصية مثيرة للجدل تحرك مياهه الراكدة مثل أيلون ماسك.
ما يقرّب ماسك من الديموقراطيين هو ليبراليته الاجتماعية، وما يباعد بينه وبينهم، وبخاصة التيار التقدمي في الحزب، هو محافظته المالية. وما يثير الغرابة أن ماسك مأخوذ بتوجهات الديموقراطيين في مجال الحريات، دون أن يتوقف عند معطيات المرحلة الحاسمة التي تتكشف فيها دعاوى الديموقراطية عالميا، وتسقط مزاعم الحرية التي لطالما صنّج بها الغربيون آذان العالم الثالث.
القيم التي يتمايز بها العالم الليبرو- ديموقراطي عن غيره، ظهرت انتقائيتها في التطبيق. لقد اخترع الغرب الديموقراطي شبكات التواصل الاجتماعي لنسف معتقدات الآخرين السياسية والدينية وثوابتهم وقيمهم الاجتماعية والثقافية، واستبدالها بالقيم الديموقراطية التي تغنيهم عما سواها، فكانت تلك الأدوات سببا في توعية المستهدفين، وتنامي الوعي العالمي بالمعايير المزدوجة وانتقائية التطبيق وفرض وجهة النظر الواحدة. وبباسطة فقد لعبت شبكات التواصل الاجتماعي دور العميل المزدوج بفضل روح المبادرة لدى المستخدمين من خارج المنظومة الليبرو- ديموقراطية، وبعض الصادقين مع أنفسهم من داخل تلك المنظومة.