صبار عابر العنزي
العطاء الحقيقي هو القدرة على المبادرة بتقديم ما تستطيع للآخرين معنوياً أو مادياً لتعلمهم بمكانتهم عندك ومدى تقديرك واحترامك لهم، وفهمك لمعتقدك والعطاء سلوك إنساني يساهم في تعزيز القيم النبيلة بين أفراد المجتمع...
مما يعني الاهتمام ومد يد العون والرغبة في تقديم المساعدة وهو إحدى الصفات التي لا تتوفر في كثير من الناس، فلا يتمتع الجميع بالقدرة على البذل والمنح والعطاء للآخرين ليكون في هذه الحياة كزجاجة العطر تنثر على الآخرين عبير رذاذ الياسمين والأقحوان وإن فرغت تبقى رائحة طيبة...
ويعد العطاء إحدى الفضائل الإنسانية التي تعني البَذل والتضحية، ويكون ذلك بعدم التقيّد بحب الذات ، وإنّما حُب الآخرين، والتجرّد من الأنانيّة والتملّك وبالتالي لا تُسيطر عليه الأهواء وحب المال، إنّما حُب مساعدة الآخرين من خلال هذا المال ورغبة لكسب الأجر والثواب...
والمعطي سبحانه هو الذي أعطى كل شيء خلقه وتولى أمره ورزقه في الدنيا والآخرة، وقد قال الله تعالى عن موسى عليه السلام وهو يصف عطاء الربوبية: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}، ويعتبر العطاء واحداً من أجمل الصفات التي تتواجد عند الإنسان، فهو يُساعد على زيادة المحبة والألفة بين الناس وعلى التخلص من مشاعر البغض والكراهيّة...
والعطاء جزء من الكرم، بل يكون هو الكرم في صور كثيرة، وهو جزء من كينونة الإنسان السامي، والمثل الصيني يقول: «مثلما يعود النهر إلى البحر هكذا يعود عطاؤك إليك»...
وهناك بيت شعر أصبح مثلاً شعبياً ألا وهو (يعطي العطا من كان ضاري بالعطا) حيث يذكر في الزمن البعيد أن هناك نجعاً من البدو «قاطنين» عند أناس آخرين يتوفر في أراضيهم الماء والكلأ في فترة الصيف بينما هم أحيط بأراضيهم الجفاف بسبب قلة المطر، وبعد انتهاء الفترة رحلوا، لكن صادف أن أحب واحد من الأبناء فتاة من أهلهم فقام هذا الشاب متجهاً صوب أبيه وقال الشاب لوالده: أريد أن أتزوج فلانة بنت فلان...
رد عليه الوالد : يا الله توكلنا على الله تعال نذهب لأبيها ونخطبها منه...
وأثناء سيرهم وجدوا شخصاً مسكيناً عليه علامات الجوع والعطش والإرهاق، فاشفقوا عليه وأخذوه معهم إلى أبي بيت معزبهم...
وصلوا بيت أهل البنت مع وقت العشاء فرحبوا بهم بالقهوة، لكنهم لم يذبحوا لهم ذبيحة أو يكرموهم كما يفعل البدو، بعد أن جهز العشاء (قرص) قام المعزب بكسر قطعة صغيرة ورماها على الدرويش قائلاً:
خذ كل هذه وأخذ باقي القرص وحط عليه السمن واللبن وأكلوا إلى أن شبعوا وبقي القليل منه في الصحن، فقال المعزب للدرويش:
خذ باقي القرص, قال شبعت
قال المعزب : كيف؟
قال :
شبعنا وشبع الذر من سورنا
وللذر من زاد الرجال معاش
يعطي العطا من كان ضاري بالعطا
ويمن العطاء من كان خاله لاش
من لا يعرّب منسبه قبل منشبه
تروح عليه المقبلات بلاش
بعد أن انتهى الدرويش من سرد هذه الأبيات قال أبو الولد لولده هيا بنا نذهب.. رد الولد إلى أين يا أبتي؟ قال الأب أما سمعت أبيات الدرويش قال بلى لكن ما المقصود قال الدرويش يقول إن أبا البنت التي تريد خطبتها ليس فيه خير مثلك أنت الذي تريد أخذها...
فذهب الولد وأبوه والدرويش معهم ووجدوا له عملاً وعاش معهم، وبهذا صار استخدام هذه الأبيات مثلاً شائعاً.