قَالَ الله -عَزّ وَجَلّ-: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} (الْبَقَرَة: 30)، أَي: نُطَهِّرُ أَنْفُسنَا لَك، وَكَذَلِكَ نفعلُ بمنْ أطاعَكَ، نقدِّسهُ أَي: نُطَهِّرُه وَمن هَذَا قيل للسَّطْلِ القَدَسُ لأنَّهُ يُتَقَدَّسُ مِنْهُ: أَي: يتطهرُ، وَمن هَذَا بَيت الْمُقَدّس أَي: البيتُ المطهر الَّذِي يُتَطَهَّرِ بِهِ مِن الذُّنوب(2). وقد ورد في القرآن مُرادفات كثيرة، منها: (رُوحُ القُدُس، الأَرْض المُقَدَّسَة، الوَادِ المُقَدَّس، المَلِك القُدُّس)، والله هو الغنيُّ، فهو -سبحانه وتعالى- مالك مطلق في طهارته وقداسته الذاتيّة.
جبل قُدْس: هو عبارة عن سلسلة جبيلة ممتدة من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي بطول يبلغ حوالي 35 كيلاً، يُسمّى أولها قُدْس الأبيض ويُعرف اليوم بالجبل الأحمر أو جبل خلص، ويُسمّى آخرها قُدس الأسود ويُعْرف اليوم بادْقُس، وتُسمّى السلسة اليوم بجبال عَوْف نسبة لسكّانها من عَوْف من مسروح من قبيلة حرب، وتقع القُدسين جنوبًا عن جبل وَرِقَان، ويفصل بين قُدْس الأبيض ووَرِقَان ثنية الغَائِر التي لها ذكرٌ في السيرة النبوية(3)، وجبل رَكُوبة الممتد من الغائر شمالاً إلى قدس الأبيض جنوبًا، ويفصل بين قدس الأبيض وقدس الأسود عقبة حَمْت التي وردت في كُتب البلدانيين، وتُسمّى اليوم خَضْلَة.
جبل ادْقُس: وهو جبل قُدْس الأسود، وتحولت الكلمة إلى (دُقس) ولثقلها أضيفت إليها همزة وصل للتخفيف، فالبعض ينطقها بالضم (ادْقُس)، والبعض الآخر ينطقها بالكسر (ادْقِس)، وجميعهم يُسكِّن الدال ويقدمها على القاف للتخفيف، وهو جبل عظيم شاهق الارتفاع، عبارة عن هضبة مستوية واسعة بها قمم ومسطّحات خضراء طبيعية تكثر بها الأشجار المعمرة والنباتات البرية، وجبل ادْقُس أحد جبال الحجاز العظيمة يقع ضمن سلسلة طويلة تمتد من قدس الأبيض في الشمال الغربي إلى جبل آرَة في الجنوب الشرقي بطول يبلغ حوالي 80 كيلاً تقريبًا، ويبلغ ارتفاع أعلى قمة في جبل ادقس بحوالي (2162) مترًا عن سطح البحر، ويُعد مصيفًا ومنتزهًا وطنيًا لما يتمتع به من المناظر الخلّابة الطبيعية، والمدرجات الخضراء الجميلة التي تكثر بها الأشجار المثمرة والظل الوارف، ويتميّز جبل ادقس بنقاء جوّه واعتداله في الصيف، ويزداد جمالًا بتكوّن الضباب في قممه أثناء فصل الشتاء، وبه مزارع كثيرة ومنازل آهلة بالسُّكّان، لم تصل إليها من الخدمات سوى الكهرباء، وأبراج الاتصالات، وتوجد بجبل ادْقُس أنواع كثيرة من الأشجار والنبات البرية الرعوية، وبعضها يُزرع في المزارع والرياض، ومنها: العَرعَر، والقَرَظ، والتين، والعِرن، والرُّمان، والخَزم، والعِتم، والبن العربي، والبرشومي، والأَثب، والْبَان العربي، والجُميز، والحَمَاط، والضّرو، والمشمش، والتفّاح، والبرتقال، والعنب، والطُّبّاق، والنّعْنَاع، والضّيْمَران، وغيرها، وكان قديمًا مصدرًا هامًّا للمنتوجات الزراعية، ويُعد سلة غذاء لسكّانه ولقبائل المناطق المجاورة له، حيث تكثر به المزارع البعلية التي تُزْرع على المطر، ويُزرع بها أنواع الحبوب والخضروات والفواكه، ومنها -أيضًا- رياض النخيل بأنواعه، وكان جبل ادْقس في القدم منطقة محمية بإحكام من أهله وهذا ما أثبتته الوثائق الأهلية القديمة، وكانت الزكاة تجبى من أهالي جبل ادقس في عهد الدولة الميمون.
الموقع: يقع جبل ادْقُس في الجهة الجنوبية الغربية من المدينة المنورة بين سلسلة من جبال السَّرَوات في إقليم الحجاز على دائرة عرض ((N 23.5718739 درجة شمالًا، وخط طول (E 39.4906139) درجة شرقًا، ويبعد عن المدينة بنحو 121 كيلًا تقريبًا، يحده من الجنوب جبل آرَة، ويحده من الجنوب الغربي ومن الغرب وادي القَاحَة، ويحده من الشمال الغربي فَرْشَة الشّامي، وقُدْس الأبيض، ويحده من الشمال وادي صوَرِي، ويحده من الشمال الشرقي اليتمة، ويحده من الشرق الشُّفَية بوادي الفُرُع، ويحده من الجنوب الشرقي الفقير بوادي الفُرع، ويتبع ادقس إداريًا لمركز اليتمة التابع لمنطقة المدينة المنورة.
الطرق والمنافذ: يمكن الوصول إلى جبل ادقس من خلال طريق واحدة ترابية وعرة جدّا، تم رصفها في سنة 1407هـ، على نفقة الأهالي، حيث اجتمع أهالي وأعيان جبل ادقس وشقّوا طريقهم الوعر إلى أعلى الجبل بجهودهم الذاتية، وقد كلفهم ذلك الأموال الطائلة، وما زالت الطريق وعِرَة إلى يوم الناس هذا لم تُزَفْلت، ولم يُلْتفت إليها! رغم أن الجبل به آثار تاريخية وبيئة طبيعية جاذبة للسياحة والتنزّه، ويعد من أهم الأماكن السياحية بالمملكة عمومًا، وبمنطقة المدينة المنورة خصوصًا.
أهم الشعاب والروافد: يتميّز جبل ادقس بشعابه الكبيرة التي تتخلّلها المدرجات الخضراء والمناظر الطبيعية الخلّابة، والشّلّالات العذبة الصافية، وتنحدر مساقط مياهها إلى عدة جهات، وتفيض فيها روافد كثيرة، ومن أهم الشعاب والروافد: (المُقَيْطِع، القُصُبَة، العِيَينة، الجَمّاء، النّمْصِي، الظّفَاير، الغَرِيْف، المِرْقَاب، المخَيْبيَة العليا، المخَيْبيَة السُفلى، النّخلة، النّخَيْلَة، الأبَيّضَات، البرُكَة: الحِجْفَة، العِدّ، الرّومَّان، الفُرَيعة، البَرّاق، مُغَيْسِل، المرَيْصِن، أبا الحَيَا، الغُرُبَة).
أعلى قمم جبل ادْقُس
1 - قمة المِرْقَاب: تقع غرب جبل ادقس ويصل ارتفاعها إلى حوالي (1262) مترًا عن سطح البحر، تنحدر مساقط مياهها إلى عدة جهات، من الجنوب تسيل في المعَرَض ومنه إلى المنشَار الذي ينحدر إلى جهة وادي الفُرع، ومن الشمال الشرقي تسيل في شعب الغَرِيْف، ومن الشمال الغربي تسيل في السِّدَيْرة، ومن الغرب تنقسم إلى شعبين، شعب يسيل إلى المعَرَض، وشعب يسيل إلى السّديرة.
2 - قمة الرّدِيْفَة: تقع جنوب جبل ادْقُس وتنحدر مساقط مياهها إلى عدة جهات، من الشمال والشرق تسيل في ادقس، ومن الجنوب والغرب تسيل في المعَرَض.
3 - قمة الجَمّاء: تقع في شمال جبل ادْقُس، وتنحدر مساقط مياهها إلى عدة جهات، من الشمال تسيل في شعب المُقَيْطِع، ومن الجنوب تسيل في الحِجْفَة، ومن الشرق تسيل في الخَرّابَة -وهي منطقة زراعية واسعة- وينحدر سيلها إلى وادي نُخَال ومنه إلى وادي ظَلَامَة الذي يسيل وينعطف شرقًا إلى جهة الأتمة ومنها يفيض في وادي النَّقيع شرقًا.
4 - قمة المصْلِيت: تقع شمال قمة الجمَّاء، وتنحدر مساقط مياهها شرقًا وتصب في الخَرَّابَة، وما ينحدر منها غربًا يصب في أسفل شعب العِد، والعِدُّ: هو بئر غزيرة لا ينقطع ماؤها، وهو شعب طويل، تكثر به الأشجار الوارفة، والمناظر الطبيعية، ويحتفظ بالمياه على مدار السنة على هيئة شّلالات وسروب وقِلات، وسيله يصب في وادي نُخَال الذي يفيض في وادي ظَلامة، ومنها يتجه إلى النَّقِيع.
5 - هضبة المعَرَض: هي هضبة ومنطقة واسعة تقع جنوب جبل ادقس، يحدها من الشمال قمة المرقَاب، ومن الغرب شَفَا تِهَامَة ادْقُس، وتنحدر مياهها شرقًا وتصب في وادي المنْشَار الذي يسيل باتجاه وادي الفُرع الذي ينحدر باتجاه وادي القَاحَة، ومن ثم تنحدر جميعها إلى الأبواء ومنها إلى وادي مَسْتُورة ثم تفيض في البحر الأحمر.
جبل قُدْس في السِّيرةِ الأثر
- عن كَثِيرُ بن عَبْدِ اللهِ بن عَمْرو بن عَوْف المُزَنِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّه، أنَّ -رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم- أقْطَع بِلال بن الحَارِث المُزَنِي مَعَادِن القَبَلِيَّة: جَلْسِيَّهَا وغَوْرِيَّهَا، وحَيْث يَصْلُح للزَّرْع مِنْ قُدْس...إلخ(4). وجَلْسيها: بفتح الجيم وسكون اللام، نسبة إلى الجَلْس وهو ما ظهر وارتفع، وغَوْريها: بفتح الغين المعجمة وسكون الواو، نسبة إلى الغَوْر وهو ما انخفض وسَفُل، وقُدْس: موضع مرتفع يصلح للزراعة(5).
- قال ابن هِشَام(6): أَبُو زَيْدٍ. وَأَنْشَدَنِي:
تَنْفِي الجُمُوع كَرَأسِ قُدْسِ المشْرِقِ
- قال ابن حجر العسقلاني: «ومن طريق محمَّد بن طَلْحَة التَّيْمِي قال سمعت أنَّه أسّس البيت من ستَّة أَجْبُلٍ من أبي قُبَيْس ومن الطّورِ ومن قُدْسٍ ومن وَرْقَان ومن رَضْوَى ومن أُحُدٍ الطَّريقُ الثَّالثة»(7).
جبل قُدْس في معاجم البلدان والأخبار
- قال عرَّام بن الأَصْبَغ السُّلَمِي عن وَرِقَان: «ويعلو بينه وبين قُدْس الأَبْيَض ثنية؛ بَل عَقَبة، يُقال لها: رَكُوبة، وقُدْس هذا جبل شامخ ينقاد إلى المتعشَّى بين العَرْج والسُّقْيَا ثم ينقطع بينه وبين قُدْس الأسود عَقَبةٌ يقال لها: حَمْت»(8). قال البلادي -رحمه الله- في معجم معالم الحجاز: (7/ 1355): «وقوله ينقاد إلى المتعشى خطأ»! قلت: بل قول عَرّام هو الصواب، والمُتعشّى: هو وادي اِلْجِي الذي تبدأ مساقط مياهه من قُدْس الأبيض عبر رافدين هي: وادي يَدَعَة الذي ينحدر إلى الشمال الغربي باتجاه الشُّفَيّة وهي(شرف الأثاية) قديمًا، ووادي العَقَنْقَل الذي ينحدر شمالًا ويلتقي بوادي الحَلْقَة وتنعطف شرقًا، ثم تلتقي جميعها في وادي الجِي شرق الشُّفَيَة، وسُمي الجي مُتعشى؛ لأنه كان مبيتًا واستراحة للقوافل قديمًا، وأمّا العَرْج: فهو من أشهر الأودية الواقعة بين مكة والمدينة نزلته قبيلة حرب بعد منتصف القرن الثاني الهجري(9) وما زالت به إلى اليوم، وأعلاه يسيل من شرق جبل ثافل وينحدر شمالًا ويصب في شعب النظيم الذي ينحدر شمالًا أيضًا ثم يَلْتَفُّ إلى الجهة الجنوبية الغربية ويصب في وادي الملف الذي يقع بالقرب من الشّفية جنوبًا، ثم ينحدر وادي الملف ويتجه إلى غَيْقَة ومنها يدفع في الخبت غربًا قرب ساحل البحر الأحمر، وأمّا السُّقْيَا: فتُسمّى الآن باسم (أُم البِرَك)، وتقع جنوبًا عن القَاحة بمسافة (24) كيلاً تقريبًا، وهي غرب سلسلة قُدْس وآرة، وشرق سلسلة جبال ثافل، وتقع على وادي القَاحَة الذي ينحدر إلى ناحية الجنوب الغربي ثم ينعطف إلى جهة الأبواء غربًا.
- قال الهَمْدَاني (ت: بعد 360هـ): «غَزْوان جَبَل عَرَفَة العالي، ثم طَلَعت الجبال بعد منه وكان منها الأبيَض جبل العَرْج وقُدْس وآرة والأشْعَر والأجْرَد، وهذه جبال ما بين مكة والمدينة عن يمين الخارج من مكة إلى المدينة، ويسار الصادر إلى مكة». ثم ذكر قُدْسًا في موضع آخر من ضمن الجبال المشهورة عند العرب المذكورة في أشعارها(10). قلت: جبل العَرْج، وعقبة العرج، ومدارج العَرج، وردت عند الهَجَري والبكري وياقوت والسمهودي، وذكرها الأصمعي، ولو يتسع المقام لبيّنت ذلك وأسهبت فيه.
- قال الأزهري (370هـ): «قُدْسٌ: جَبَلٌ، وقيل: جبل عَظيم في نَجد»(11). قلت: قُدْسٌ ليس في نَجْدٍ! وإنما جَبَلٌ عَظِيم في الحِجَاز.
- قال البكري (ت:487هـ): «قُدْس: بضمّ أوّله، وإسكان ثانيه، بعده سين مهملة: من جبال تِهَامَة، وهو جبل العَرْج يتّصل بوَرِقَان، وقدس ينقاد إلى المتعشى، بين العَرْج والسُّقْيَا، ويقطع بينه وبين قُدْس الآخر الأسود عقبة يقال لها حَمْت، قاله السّكونى، قال: ونباتُ القُدْسَيْن العَرْعَرُ والقَرَظُ والشَّوْحَط، وهما لمُزَيْنَة وفيهما أوشال»(12). قلت: هو من قول عَرّام أملاه على أبي الأشعث الكندي، ونقله عنهما السّكوني، والسّكوني مُختلف فيه(13)، قال البلادي -رحمه الله- معلقًا على ما ذكره البكري نقلًا عن السكوني: وبعد ذلك يخلص البكري إلى رواية أساسها عرّام وهي كثيرة الخلط والغلط، وتركناها لذلك، وقوله: ينقاد إلى المتعشى خطأ!!(14). قلت: بيّنّا سابقًا أن قول عَرّام هو الصواب.
-قال نصر الإسكندري (ت:516هـ تقريبًا): «قُدْس: بضم القاف وسكون الدّالِ: جبلٌ حِجَازيٌ في دِيَار مزينة، وهما قُدْس الأبيض والأسود، جبلان عند العَرْج والسُّقْيَا، بين مكة والمدينة، وقرب الأبيض ثنيّةُ رَكُبَة، وقريبٌ من الأسودِ عَقَبَة حَمْت، ويُقَابلُهُ جَبَل آرَة»(15).
- قال الزمخشري (ت:538هـ): «قُدس أُوارة: جبل معروف»(16). قلت: قُدْسٍ وآرة جبلان متصلان ببعضهما كسلسلة جبلية.
- قال الحازمي (ت:584): «قُدْسٍ: بِضَمِّ القاف وسكون الدال: اسم لبيت المقدس وجبلان في الحجاز، يُقَالُ لهما القُدْسَان: قُدس الأبيض، وقُدس الأسود، وهما عند ورقان، أما الأبيضُ فيقطع بينه وبين ورقان عقبةٌ يُقَالُ لها ركوبة، وهو جبل شامخ، ينقاد إلى المُتعشى بين العَرْج والسُقيا، وأما قُدس الأسود يقطع بينه وبين ورقان عقبةٌ يُقَالُ لها حَمْت، والقُدسان جميعًا لمُزينة، وأموالهم ماشية من الشاة والبعير، أهل عمود وفيهما أوشال كثيرة، قاله الكندي»(17). قلت: هو من قول عَرّام أملاه على أبي الأشعث الكندي في «أسماء جبال تهامة» وقد بيّنّا ذلك سابقًا.
- قال ياقوت (ت:626هـ): «قُدْسٌ: بالضم ثم السكون، قال الأزهري: قدس وآرة جبلان لمزينة وهما معروفان بحذاء سقيا مزينة، وقال عرّام: بالحجاز جبلان يقال لهما القدسان، قُدْسٌ الأبيض وقُدْسٌ الأسود وهما عند ورقان، فأما الأبيض فيقطع بينه وبين ورقان عقبة يقال لها ركوبة، وهو جبل شامخ ينقاد إلى المتعشى بين العَرْج والسّقيا، وأما قدس الأسود فيقطع بينه وبين وَرِقَان عقبة يقال لها حَمْت، والقدسان جميعًا لمزينة وأموالهم ماشية من الشاة والبعير، وهم أهل عمود، وفيها أوشال كثيرة»(18). قلت: الصواب ما ذكره عَرّام بأن حَمْتًا عقبة بين قُدْس الأبيض وقُدْس الأسود، وهي تُسمّى اليوم بـ(خَضْلَة). أمّا ما يقطع بين قُدْس الأبيض ووَرِقَان فهو جبل رَكُوبة وثنية الغائر التي تفصل ما بين رَكُوبَة ووَرِقَان.
- قال ابن منظور (ت:711هـ): «قُدْس وآرةُ جبَلان فِي بِلَادِ مُزَيْنة مَعْرُوفَانِ بِحِذاء سُقْيا مزينة»(19).
- قال القطيعي (ت:739هـ): «قُدْس: بالضم، ثم السكون: جبل عظيم بأرض نجد، وقدس أوارة: جبل معروف. وقيل: هما جبلان لمزينة معروفان، وقيل: بالحجاز جبلان يقال لهما: قدس الأبيض وقدس الأسود، عند ورقان، يقطع بين ورقان والأبيض عقبة يقال لها حَمْت، وهما جميعا لمزينة»(20). قلت: الصواب ما ذكره ابن منظور سابقًا عن قُدْسٍ وآرة، وما ذكره عَرّام عن حَمْت بأنها عقبة بين القُدْسين.
- ذكر الفيروزآبادي (ت:817هـ): قُدْس: بالضم وسكون الدال، ثم أورد النص كما ذكره ياقوت نقلًا عن عَرّام(21). وقد وضّحنا النص سابقًا.
- قال السمهودي (ت:911هـ): «قُدْس: بالضم وسكون الدال المهملة، قال الهَجَري: جبال قُدس غربي ضاف من النّقِيع، وقدس: جبال متصلة عظيمة كثيرة الخير تنبت العَرْعَر والخَزَم، وبها تِين وفواكه وفِراع، وفيها سكّان ومنازل كثيرة من مزينة»(22).
- قال حمد الجاسر (ت:1421هـ) في تعليقاته على ما ورد عن قُدْس في كتاب «الأماكن» وكتاب الأمكنة: «وجَبَلُ القُدْسَين يُعرفان عند العامة باسم إِدْقِس، سلسلة من جبال الحجاز، تُدعى اليوم جبال عَوْف نسبة لسُكّانها من حَرْب، (وتقع بِقُرب خَط الطول: ((39°22، وخط العَرْض: ((23°43»(23).
- قال عاتق البلادي (ت:1431هـ): «قُدْس: سلسلة جبلية في الحجاز، تشرف على مضيق الفُرع جنوبًا، وتمتد شمالًا إلى قُرب الطريق من مكة إلى المدينة بين مَلَل والعَقِيق، يبلغ طولها قرابة (150) كيلًا وارتفاعها (2049) مترًا، جنوبها جبال المعَرَض تشرف على المضيق، وقمة قُدْس كان يعرف بقدس الأبيض، ويُسمّى اليوم خَشَب، وتسمّى عند العامة اليوم جبال عَوْف، كما يسمونها جبل أُدْقُس، وهي لغتهم في قُدْس، سكّانها عَوْف من حَرْب، وفيها مَعَاسل وفيرة وأنواع لا تُحصى من الأشجار الغريبة بالنسبة للحجاز كالخَزَم وأشجار لا يعرف أحد أسمائها، تسيل منها أودية عظيمة في عَقيق المدينة والفُرع والقَاحَة غربًا، وأهم مياه الفرع والنّقيع والقاحة من هذه السلسلة، وكذلك مَلَل واِلْجِي»(24). قلت: أجتهد البلادي -رحمه الله- بما ذكره عن قُدس، فطول السلسلة وارتفاعها وحدودها ذكرناه سابقًا، والمضيق قرية تقع في وسط وادي الفُرع في لحف آرة من الشمال؛ إلا إن كان يقصد مضيقًا آخر غيره، وسيل وادي الفُرع ينحدر بين جبل آرة في الجنوب وجبل ادقس في الشمال، ويتجه إلى الجنوب الغربي ثم ينحني غربًا إلى أن يلتقي بوادي القَاحَة، ثم تنحدر جميعها إلى الجنوب الغربي باتجاه الأبواء ومنها ينحني السيل غربًا ويتجه إلى وادي مَسْتُورة ثم يفيض في البحر، أمّا وادي مَلَل فهو بعيد جدًّا عن سلسلة قُدس، ومَلَلٌ: «وَادٍ فحلٌ يَنْقَضُّ من جبالِ جَامِرَة والحُلَيْقة التي تَقَع شَمَالًا عن جبلِ وَرِقَان، ويَسِيل -أيضًا- من جبال الآنِفَة التي تُقَابِلها من الغرب فَتَجْتمع في أَوَّلِ مَصَب وَادي مَلَل، فَيَنْضَمُّ إلَيْهِ وَادِيَانِ، هُمَا: الْفُرَيْشُ، وَتُرْبَانُ، فإِذا اجتمعت سُمِّيَ المكانُ فَرْشَ مَلَلَ، ثمَّ يَسِيرُ حتَّى مصبِّه فِي إضَم، ويُعرف اليوم بـ(وَادِي الحَمْض)، وهو يقع غربًا عن المَدِينَةِ المنورة»(25).
جبل قُدْس في القصائد والأشعار
تغنّى كثير من الشعراء في جبل قُدْس قديمًا وحديثًا، وورد في أشعارهم، ونذكر بعضًا من الأبيات التي ورد بها ذكر قُدْس، ومنها:
- قَالَ حسّان بن ثَابت(26):
رُبَّ خَالَةٍ لَكَ بَين قُدْسٍ وآرَةٍ
تَحْتَ البَشَامِ وَرُفْغُها لم يُعْسَلِ
- قال زُهَيْر(27):
ولنا بقدسٍ فالنّقيع إلى اللِّوى
رَجْعٌ إذا لهث السّبَنْتى الوالغ
- قلت: البيت ذكره السمهودي في «ما سمي من الأحماء» وقال: قال عبد العزيز بن وديعة المزني(28):
ولَنَا بِقُدْسٍ فالنّقِيعِ إلى اللِّوى
رَجْعٌ إذا لَهَث السّبَنْتى الوالعُ
والنقيع وادٍ فحل شهير من أودية الحجاز يصب في أعلى عقيق المدينة جنوبًا، واللّوى جبل من ضمن سلسلة جبل ادقس يقع في جنوب شرق الجبل.
- قَالَ مُزَرِّد، يَرُدُّ على كَعب بن زُهَير(29):
وَأَنت امرؤٌ من أهلِ قُدْسِ أُو آرَةٍ
أَحَلَّتْكَ عَبدُ اللَّهِ أَكْنافَ مُبهِلِ
- قال الأسود بن يعفر(30):
وجاملٍ كزُهاءِ اللِّوب كَلّفهُ
ذو عَرْمَضٍ من مِيَاهِ القَهْر أو قُدُسٍ
- قال الطائي(31):
ومَا هَضْبَتَا رَضْوَى ولا رُكْنُ مُعْنِقٍ
ولا الطّوْدُ مِنْ قُدْسٍ ولا أنْفُ يَذْبُلَا
- قال أبو ذؤيب(32):
فإنَّك عُمْرِي أيَّ نًظْرَة نَاظِرٍ
نظرت وقُدْسٌ دُونَنا وَوَقِيرُ
... ... ... ... ...
الهوامش:
1 - ينظر: كتاب العين، للفراهيدي، تحقيق: عبدالحميد هنداوي: (3-366).
2 - ينظر: تهذيب اللغة، للأزهري، تحقيق: محمد عوض مرعب: (8-303).
3 - السيرة النبوية لابن هشام، تحقيق: عمر تدمري: (2-133).
4 - مسند الإمام أحمد، برقم: (2785).
5 - ينظر: الأموال، لابن زنجويه: (2-614، 741).
6 - السيرة النبوية لابن هشام: (3-210).
7 - فتح الباري: (6-407)؛ عمدة القاري، للعيني: (15-260).
8 - أسماء جبال تهامة وسكانها وما فيها من القرى وما ينبت عليها من الأشجار وما فيها من المياه، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، (ص15-17).
9 - ينظر: الإكليل، للهَمْداني: (1-266-269)، (1-280)؛ الحاوي الكبير، للماوردي: (5-97)؛ المجموع اللفيف، للأفطسي: (ص268).
10 - ينظر: صفة جزيرة العرب، (ص86، ص238-239).
11 - تهذيب اللغة، للأزهري: (8-304).
12 - معجم ما استعجم: (3-1050).
13 - عرام: ابن خرسان في معاجم اللغة والبلدان، تأليف: بندر بن حسين الزبالي الحربي، دار قدموس للنشر والتوزيع، الظهران، ط1، 1443هـ/ 2021م، (ص51-53).
14 - معجم معالم الحجاز: (7-1355).
15 - الأمكنة والمياه والجبال والآثار، للإسكندري: (2-348).
16 - الجبال والأمكنة والمياه، (ص271).
17 - الأماكن، للحازمي، (ص761-762).
18 - معجم البلدان: (4-311).
19 - لسان العرب: (6-170).
20 - مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع: (3-1068).
21 - المغانم المطابة، (ص333) وتعليق الشيخ حمد الجاسر.
22 - وفاء الوفا: (4-427- 428).
23 - الأمكنة والمياه والجبال والآثار: (2-348)؛ الأماكن، (ص761- 762)
24 - معجم معالم الحجاز: (7-1353).
25 - اقتفاء أثر المصطفى -صلى الله عليه وسلم- إلى غزوة بدر الكبرى، للكاتب، (ص20)؛ جبل ورقان في الآثار والأخبار والأشعار، للكاتب، (ص26).
26 - ديوان حسان بن ثابت، (ص201)؛ ورد البيت بصيغة مغايرة في تاج العروس: (10-88).
27 - معجم ما استعجم: (3-1050).
28 - وفاء الوفاء: (4-80-81).
29 - تاج العروس، للزبيدي: (28-132). لسان العرب: (11-73).
30 - معجم ما استعجم: (3-1100).
31 - معجم ما استعجم: (4-1245).
32 - معجم ما استعجم: (4-1382).
** **
- بندر بن حسين الزبالي الحربي