كنت أود وضع عنوان (حتى إذا بلغت الحلقوم).. فإذا هو قد ينفّر.. أو يمسّ ضعيفي القلوب من قراءة المادة، وهل أعزّ وأغلى ثمناً(1) لطروحات الكاتب من أن يُقرأ عطاؤه، وبالتالي يُستفاد مما يطرح! بل للعلم هذه البُلغة هي أجمل هدايا المتلقي، وأبردها نزولاً على صدره، وقد تكون طرّاً العزاء على جهده - الذي يبذل(2)-، فهو لا يريد - لو تمحّصت- جزاء (مالياً)، ولا شكوراً.. من خطاب ثناء، أو رسالة معطّرة بأغلى الكلمات..
المهم/
من يوم ليس بقريب طالعت (خالف موسى الخصر ثلاثاً فقال له هذا فراق بيني وبينك، وأنت في اليوم- ليس الأسبوع.. فضلاً عن الشهر!، تخالف ربك مرات وكرات، ألا تخاف أن يقول لك هذا فراق بيني وبينك)(3)!؟
ولكن لأن رحمة الله واسعة ولأنه يعلم عن خلقه {ألا يعلم من خلق}(4)، فقد فسح مجال التوبة حتى تغرغر (الروح).
وزاد لنا ربنا من مواعظ لا تنقطع، بل فرص تترى، لعل إحدى تلكم هذه الأيام الفضيلة التي حسبك (عوناً)(5) على نفسك ومشاهيك أن الشياطين به مصفّدة وأن وجوه الخير فتحت أبوابها، وما أخال من يضيّع هذه المواسم إلا أنه لما سواها أضيع!
فما رأيكم بتلميذ ضعيف كاد.. حتى أدركه أمل أنه لها «دور ثان» ليعيد الفحص ألا تطير به الأحلام ويشد مئزر الجد والمحاولة أن يبذل عساه ينجح فالذي يأتيه رمضان ثم لا... فهذا كفاه توبيخاً الحديث.. إلى أن قال «رَغِمَ أنفُ رجلٍ دخلَ علَيهِ رمضانُ ثمَّ انسلخَ قبلَ أن يُغفَرَ لَهُ» رواه مسلم، ويك لكأن حال مثل هذا لا يفيقه شيء.
فيا عبد الله لا تتوان فأنت لا تدري هل يعود عليك الشهر، ثم من يضمن لك إن عاد هل أنت بصحة، أو نشاط، على ذات وتيرة خير، والفراغ الذي قد يساورك أمل أن تفرغ أكثر! يجعلك تعمل بلا كلل وتمنّي لذاك ما تشاء..، ونص (خذ من فراغك لشغلك) بخاصة فأركّ على الأخيرة قصداً، فالمشاهد -اليوم- أن الناس في جملتهم يتعذّرون بضيق الوقت مواراة عن التقصير الحادث فيما هم في شغل لا أقول فكهون.. لكن غلب عليهم تراكم الحياة التي للأسف كل ما لها و(تلكم التراكمات) بها تزداد!، ما تجعل المرء العاقل يضع يده على قلبه وهو يبتهل لربّه أن.. سلّم سلّم.
المهم ها هنا أن رمضان حل وها هي أيامه من بين الأصابع تتسرّب(6)، ومن لا يتدارك فمتى بربكم يعي مراد {أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ} وهو بالكاد يعمل الواجبات!
ألا فلنشمّر ونري الله منّا جهداً كما قال أحد الصالحين ليكن يوم صومك كيوم فطرك، كناية أن تربية الصيام (لك) أيناها، وهذه الإشارات.. بل كل ما تقدّم يوجزها حبيبنا الناصح - صلى الله عليه وسلّم - بـ(من لم يدع قول الزور والعمل به..) ولا عجب فقد أوتي عليه من ربه الصلاة والسلام «جوامع الكلم»(7)
توقيع
قيل الصلاة تذكير يومي، والجمعة - الخطبة- تذكير أسبوعي، ورمضان تذكير شهري، فيما الحج بالعمر مرة (.. يعود به المسلم كيوم ولدته أمّة) صحائفه بيضاء.
1)كلمة مشهورة لعمر رضي الله عنه (رحم الله من رفع إلينا عيوبنا)، ففي قياسها ما ذهب بعض المؤلفين إلى أن (الثمن) الذي يتوخّاه مقابل طرحه أن/ يهديه القارئ ما وقع منه من زلل، عساه يتداركه بطبعة تالية.
2) آخذاً بأسوة البشر كافّة أنبياء الله الذين ما فتر أحدهم يردد على قومه (وما جزائي إلا على الله).
3) ألا فانتبه، {فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ...} وأتركك تتم الآية.
4) الجواب الحتمي هنا (بلى.. وهو الخلاق العليم).
5) سبحان الله أن هذا الأمر مشاهد فدور العبادة عامرة، والمعاصي نادرة، والخير يبذل من كل وجه، حتى الفقير يقدّم بهذا الشهر ما يستطيع عسى يحشر في زمرة أهل العطاء.
6) للعجب أنه بالأمس القريب دخل، وها الآن مضى أكثر من ثلثه.
7) وخذ مثلاً حديث (قل لا إله إلا الله ثم استقم) وضع تحت استقم كل تعاليم دينك.