رمضان جريدي العنزي
الناس يهتمون كثيراَ بتحسين أوضاعهم بالحياة، اقتناءً ومعيشتة، ترفيهاً وإكسسوارات، لا يقتنعون بما عندهم ويبحثون بطمع عن المزيد، يبحثون بشغف عن السيارة وعن الأرض وعن البيت وعن المزرعة وعن السفر، ويتنافسون بعداوة على المنصب وعلى الوظيفة، ويستميتون في جمع المال، وكلٌّ يكيد للآخر ويحفر، ينم يذم ويهمز، يجتهدون في امتلاك مافي الدنيا، ويركضون إلى ذلك ركضاً سريعاً، ويسعون إليه سعياً حثيثاً، حتى وإن كلفهم ذلك صحتهم وعافيتهم، وقتهم ومالهم، يعملون ذلك وكأنهم مخلدون في هذه الحياة ودائمون، يلهثون وراء الماديات الزائلة بكل حرص وشغف، طمعاً في إرواء طمعهم وعطشهم، منكبون عليها بلا حد، بعيداً عن التأمل في هذه الدنيا القصيرة الزائلة، تفاهتها وتضاؤلها في جنب الحياة الآخرة، التي هي الحياة الحقيقة، قال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}، لا يعني أن يفهم من ذلك بأن موقف الإنسان من الدنيا سلبي بأي صورة من الصور، وبأي شكل من الأشكال، بل هو موقف متوازن، بلا تفريط ولا إفراط، ولا ترك ولا إقبال، على الإنسان أن يعي جيداً بأنه ميت، كما تموت الحيوانات والنباتات، وبأن حضارات الإنسان المتعاقبة قامت ثم ضعفت ثم تلاشت، وأن هناك شعوباً وقبائل عاشت قروناً طويلة وسحيقة، ثم اختفت من الأرض، عليه أن يدرك هذه الحقيقة الجلية يتفكر فيها ويتأمل، دخل أحد الوعاظ ابن السماك على أعظم ملوك الأرض في وقته هارون الرشيد فقال له هارون عظني يا ابن السماك قال يا أمير المؤمنين هب أنك كنت تسير في صحراء ثم نفد ما معك من زاد وماء واشتد بك الظمأ حتى احترق جوفك وظللت تبحث عن ماء فلا تجد ماءً فجاء لك رجل بكأس من الماء وقال لك يا أمير المؤمنين أستطيع أن أسقيك من هذا الكأس على أن تعطيني نصف ملكك فماذا تفعل؟ قال أعطيه نصف ملكي وأشرب وأرتوي، قال هب أنك يا أمير المؤمنين بعد أن شربت هذا الماء احتبس في جوفك وظل يوجعك ويؤرقك ويتعبك تريد أن تبول فلا تستطيع أن تبول احتبس البول فيك وأنت تتلوى وتتوجع فجاءك من قالك أنا أقدر أن أعالجك يا أمير المؤمنين وأخرج البول منك على أن تعطيني نصف ملكك الآخر قال أعطيه، قال فانظر يا أمير المؤمنين إلى هذا الملك الطويل العريض الذي لا يساوي شربة وبولة ونحن نشرب ونبول، من نعم الله تعالى علينا، أن على الإنسان العاقل المدرك الواعي أن يهتم بصحيفة أعماله، لأنه سوف يقرأها ذات يوم عصيب، وسيكون حسابه على ما في صحيفته، قال تعالى : {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} إنها دعوة للتأمل وأخذ الحيطة والحذر، وفرصة للتفكر والتوبة والإنابة، اللهم اجعل يومنا خيراً من أمسنا واجعل غدنا خيراً من يومنا وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم أكرمنا ولا تهنا وأعطنا ولا تحرمنا وزدنا ولا تنقصنا وآثرنا ولا تؤثر علينا وأرض عنا وأرضنا، وإملأ صحائفنا بالأعمال الطيبة النافعة.