التجربة البشرية عبر التاريخ أفرزت ثلاثة أنواع من المُلْكية لا «رابع» لها هي:
أولاً- الملكية المشاعية أو الجماعية: وهي ملكية الأنهار والبحار والصحاري وغير ذلك. وملكية الدولة أو الدول هي إحدى أنواع الملكية الجماعية.
ثانياً- الملكية الشخصية: وهي ممتلكات الشخص التي لا يشاركه بها أحد، كالبيت والسيارة والملبس والمأكل وما إلى ذلك.
ثالثاً- الملكية الخاصة: وهي ملكية المؤسسة الإنتاجية لشخص أو مجموعة قليلة من الأشخاص. كالمصنع الذي يعمل فيه خمسمائة عامل مثلاً، ويملكه شخص واحد أو شركاء معدودين. وكذلك الأرض الزراعية التي يعمل بها مجموعة من الفلاحين بأجر، ويملكها شخص واحد أو مجموعة قليلة من الأشخاص. وهذا النوع من الملكية هو الذي أنتج الصراعات والحروب والإبادات الجماعية ... إلخ عبر التاريخ. فمصلحة المالك للمؤسسة الإنتاجية تقتضي تقليل تكلفة الإنتاج وتحسين نوعيته! ولكن يتحاشى أن يكون ذلك على حساب جزء يسير من أرباحه، إنما على حساب المنتجين! وقد جاءت الأديان لحل هذه المعضلة، فقد نادت بنبذ استعباد المنتجين والتوزيع «العادل» للثروة الإنتاجية. ولا يتسع المجال هنا للحديث عن التحايل على المفاهيم الدينية والحضارية والغدر والدسائس التي حاكها المالكون طوال التاريخ، لتكريس الاستعباد وتحميل العبء كله على كاهل المنتج وعائلته.
وعلى الرغم من الثورات المتتالية في كل العصور ضد ظلم المالك للمنتج، إلا أن المعضلة الأساسية تلك لم تنحل! والأنكى من ذلك أن النظام الرأسمالي الأشد استعباداً للإنسان من كل الأنظمة السابقة له، ظهر لنا بملكية جديدة لم تخطر ببال سابقاً، ألا وهي مُلْكية العقيدة.
مُلْكية العقيدة هذه لم تكن وليدة اليوم، فهي نشأت وتطورت عبر الأجيال! ففي عام 1916؛ أي قبل نهاية الحرب العالمية الأولى بسنتين؛ انتبه «مالكو الانتاج» في الولايات المتحدة الأمريكية؛ بقيادة الرئيس الأميركي آنذاك «ولسون»؛ أن أوروبا تستعمر وتقسم العالم فيما بين دولها؛ ولن يبق للأمريكان بعد الحرب مكان يمتصوا دماء ساكنيه. كما أن الشعب الأمريكي «الفقير» ليس مهتماً بهذه الحرب؛ لأنها ليست على أراضيه! فلم يكن من الرئيس إلا أن يأمر بتشكيل لجنة «إعلامية» سميت «لجنة كريل». وكانت مهمتها «تغيير مزاج» الشعب الأمريكي كي يدخل الحرب! واستطاعت اللجنة المذكورة أن تسيطر على المؤسسات الإعلامية بالتهديد والترغيب، ثم قلبت «مزاج» الشعب الأمريكي رأساً على عقب خلال ستة أشهر فقط، ودخلت أمريكا الحرب لتشارك الأربعين حرامي! والظاهر كان علاء الدين نائما!
لما رأت لجنة كريل هذا النجاح المبهر وبهذه السرعة؛ «إحلوَّت اللعبة» لها؛ فتطورت مهمتها لتسيير «الذهنية» لصالح مآرب الهيمنة على الأمريكان أولاً؛ ثم على العالم؛ ونصّب الإعلام الأميركي نفسه قائداً للفرقة الموسيقية؛ وبقية الإعلام العالمي المنضوي في فلكه عازفين في تلك الفرقة! وأصبح النموذج الأميركي أو الرأسمالي في الحياة هو الأرقى؛ والشعارات الكاذبة من قبيل «الأمن القومي الأميركي والإسرائيلي» و»المصالح الحيوية» الأمريكية والإسرائيلية هي رائدة السياسة الدولية.
أما بعد الثورة التكنولوجية والأجهزة الذكية؛ واستيقاظ علاء الدين من سباته؛ لم يعد البشر «قطعاناً»؛ وتحرر الوعي من الاستعباد بالأكاذيب؛ وانتقلت «لجنة كريل» إلى أعلى مراحل الوحشية؛ حيث تريد تكريس «ملكيتها لعقائد» البشر بالقوة؛ وصار «من ليس معي فهو ضدي»؛ ومن هو ضدي سيموت حتماً؛ إما بالتكفير وهدر الدم أو التجويع أو الإبادة الجماعية أو الحروب أو الاغتيالات!
بيد أن الشهداء الفلسطينيين؛ الأموات منهم والأحياء؛ الذين يحتذى بهم في العالم أجمع؛ قالوا للغطرسة نعم نحن «نموت شهداء»؛ ولكن لن نستسلم؛ بل إننا نصطادكم كالحشرات؛ ونحن لكم ههنا قاعدون!
كيف يستطيع العقل البشري أن يستوعب بطلاً فلسطينياً؛ يبيد ثلة من الصهاينة؛ دون أن ينكشف؛ ثم يجلس على كرسي؛ منتظراً أن يأتوه ليستشهد؟ ... إنني أقترح على الصهاينة تكسير كل الكراسي في كل أنحاء العالم.
** **
- د. عادل العلي