معرض أول لفيصل الخديدي بعد جائحة كوفيد – 19 التي خاضها جسدياً ونفسياً في المواجهات الأولى التي حفلت بالغموض والخوف والعجز، الأمصال ثقوب في كهف الجسد.. لا شيء يتغير، لا شيء ينبىء عن فَرجة في السماء.. كل شيء مغلق.
نوافذ فيصل، المنفذ الأوحد لمجابهة تلك القسوة اليومية، كان عليه الرحيل للداخل.. للذات المغمورة بفعل فاعل وانتشالها.. الاستجابة لتلويحة الروح، للعبور لمقام النور.
نوافذ فيصل تُحيلني إلى متلازمة الإنسان والشجرة.. متلازمة الجسد والجذع.. متلازمة التخشب والتندية.. متلازمة الثرثرة والصمت.. متلازمة البوح والكتمان.. متلازمة الداخل والخارج.. متلازمة المحجوب والمريد. ومتلازمات متتاليات.
نوافذ فيصل تُحيلني إلى المخادعة والمخاتلة والتمويه كسمة من سمات الفن وأسراره الجميلة الكبرى، تلك النوافذ المزخرفة - الزخرفة زيف - من خارجها بحروف عربية – الحرف صدق – تجعلك مفتوناً بها، والفتنة بالشيء وَلهٌ يجعلك لا تبصر الحقيقة بل تسلم حواسك للمفتون به. هذه النوافذ بلغتها الفنية العالية تجعلك تصلبُ سحرة الكلام وحائكيه على فاه فاغر، وتحبسُ حفظة الألوان في ألواحهم الأزلية.
الروح المضيئة تعبر مسارب النوافذ من خلال الإضاءات ليس لتسرد حكايات أو تنقل أحاديث الآخر بل لنتحدث في مواجهة ذواتنا، لذا احذر التوضح عند مواجهتها واختبر قدرتك على الغموض. هذا الاختبار الذي يضعنا فيه فيصل الخديدي يتطلب أن ننصت لحديث النوافذ دون أن تتمكن منا، فكل نافذة تطل على نافذة مقابلة لها في جسدنا، تدعوها أن تتمرد على سمت الجسد، تغريها بالضياء والتخفف من عبء الجسد. هل نستطيع تجاوز هذا الاختبار؟ أم أننا بحاجة إلى أن نشرع نوافذنا دون خجل أو ريبة؟ أزعم أن نوافذ فيصل وحديثها هي في الواقع نوافذنا وحديثها من الهامس إلى الصاخب.. من المباح إلى الماجن.. من الفضفضة إلى الاحتجاج.. من التذمر إلى الرضى.. من الصخب إلى الدعة..
حديثٌ منا إلينا.. حديثٌ تتلوه أرواحنا في رحابة الحضور.
** **
عبدالعزيز عبدالغني عسيري - مسرحي وقاص