اسمه ومولده:
هو الشيخ المحدِّث أبو محمد عبدالمحسن بن محمد بن فريح (الفريح) ابن فوَّاز بن حمد بن فوَّاز بن سُلْمِي (السُّلْمِي) آل حماد من الحميضات من بني العنبر من تميم.
وُلد الشيخ عبدالمحسن في البكيرية عام (1292هـ).
طلبه للعلم ورحلاته
تعلَّم الشيخ القراءة والكتابة على يد والده الذي كان إمامًا لجامع البكيرية، وأحد كتَّابها المعروفين.
وعندما بلغ الخامسة عشرة من عمره انتقل مع أحد أخواله إلى المِذْنَب سنة (1308هـ)، وهناك لازم الشيخ عبدالله بن دخيِّل ملازمةً تامة حتى آخر عام (1318هـ)، وكان من خاصة طلابه، وقرأ عليه الكتب الستة، وأفاد منه فائدةً عظيمة، وحفظ عنده كثيرًا من كتب الحديث.
أخبرني الوالد عنه، قال: إن أهل المِذْنَب، كانوا يكرمون الشيخ عبدالله ابن دخيِّل ويدعون معه الوجهاء والأعيان من أهل المِذْنَب، فقال الشيخ: إذا دعوتموني فادعوا معي هؤلاء الطلاب الذي لا يجدون قوت يومهم، وقال أيضًا: إنه كان قبل ذلك يبيت بعض الأحيان لا يأكل شيئًا.
ثم رجع إلى بلده فتتلمذ على آل سليم الشيخ محمد وابنه الشيخ عبدالله في البكيرية وبريدة. وسكن السَّر بعد ذلك فترة قصيرة بسبب أحداث وقعت في البكيرية. ثم رحل للرياض سنة (1324هـ)، ولازم الشيخ عبدالله ابن عبداللطيف، وأفاد من علمه وفضله، ودرس عليه الفقه والفرائض، وبرع فيها وكانت له اليد الطولى فيها.
كما قرأ على الشيخ إبراهيم بن عبداللطيف في الحديث والنحو، وقرأ على الشيخ حسن بن حسين بن علي آل الشيخ، ولازمه حتى عام (1328هـ).
أعماله:
بعد أن أخذ العلم من العلماء في المذنب وبريدة والرياض رجع إلى القصيم وبدأ بالدعوة بين أبناء القبائل وإرشادهم، وذلك بتوجيهٍ من الملك عبدالعزيز ومشورة من كبار العلماء في عمل دعوي مرسوم واضحة أهدافه. وكان له أثر كبير في استيطان البادية.
إمامته لجامع الهلالية:
ثم أمَّ في جامع الهلالية في آخر الثلاثينات كما أخبرني تلميذه الخال صالح الحميدان.
عمله في العمار قاضيًا وإمامًا لجامعها ومرشدًا لأهلها من سنة 1340هـ حتى سنة 1346هـ:
وفي سنة (1340هـ) عُيِّن مرشدًا لبني عبدالله جماعة ابن جبرين في (العَمَار) وقام فيها قاضيًا معلمًا وواعظًا ومفتيًا، وحظي عندهم بالقبول والرضا طيلة السنوات السِّت التي قضاها معهم, كما خطب في جامع البكيرية لما أعفي الشيخ حمد البليهد واتفاق أعيان الجماعة عليه.
وقد كُلِّف بالقضاء في الشَّبيكية سنة (1354هـ) بتوجيهٍ من الملك عبدالعزيز ومشورة سماحة الشيخ ابن إبراهيم فاعتذر، ثم أعيد تكليفه بقضاء عفيف، ولكنه اعتذر مرة أخرى حتى أعفي بعد شفاعة الأمير عبدالله الفيصل -أمير القصيم- له عند الملك عبدالعزيز.
إمامته لجامع الهلالية من سنة 1355هـ حتى وفاته سنة 1379هـ:
تولَّى الشيخ عبدالمحسن الإمامة والخطابة في جامع الهلالية -الوحيد وقتئذٍ- سنة 1355هـ، وذلك بطلبٍ وإلزام من الشيخ عمر بن محمد بن سليم، فأصبح إمامًا وخطيبًا ومرشدًا لأهل الهلالية إلى وفاته رحمه الله. وقد أحبه أهل الهلالية وأحبهم وانتفعوا به كثيرًا.
علمه ومحبته للسنة وعبادته وأخلاقه:
كان الجد معلقًا قلبه بالمساجد فكان يلزم المسجد معظم أوقاته، ولا يخرج منه إلا نادرًا، وكان رحمه الله يؤثر العزلة، وينفر من الشهرة والظهور، وكان عابدًا زاهدًا ورعًا، صاحب صلاة وذكر، وحُبِّبت إليه السنة المطهرة، فكان يحفظ الكثير من الأحاديث النبوية، ويسرد بعض الكتب حفظًا كصحيحي البخاري ومسلم وكتاب المنتقى، فقد أخبرني والدي أنه كان يحفظ (المنتقى) عن ظهر قلب، وحدثني الشيخ صالح ابن إبراهيم الحميدان بذلك أيضًا.
وكان رحمه الله مبرزًا في الحديث رواية ودراية، وعلم الفرائض، وكان مقصد الكثيرين في ذلك.
وكانت دروسه في الصحيحين والسنن الأربعة والمنتقى وبلوغ المرام وكتاب التوحيد والأصول الثلاثة وكشف الشبهات، وزاد المستقنع وغيرها.
وكان معظمًا للعلم والسنة كما يشهد له من حوله؛ فقد أخبرني فضيلة الشيخ صالح بن محمد اللحيدان أنه حصل مناقشة في مسألة بين الشيخين عبدالله بن بليهد وعبدالمحسن، فاحتج عليه عبدالمحسن بالحديث، فقال الشيخ ابن بليهد من خاصم بالسنة خصم.
وأخبرني عبدالله بن علي الشقحاء عن والده قال: أتيت إلى الشيخ عبدالمحسن في المسجد صيفًا بين المغرب والعشاء لأسأله عن صحة حديث أشكل علي، فوجدته مضطجعًا فلما سألته قال: لا أقول قال الله ورسوله وأنا مضطجع، فاستوى جالسًا ثم أجاب عما سألته.
وأخبرني الأستاذ صالح الثنيان قال أتيت مع أبي لجدك في جامع الهلالية سنة 1370هـ فإذا هو يحدث الناس، ويحذر من النار ويصفها، ومما أذكره من ذلك قراءته لقوله تعالى:» ثُمَّ في سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فاسلكوه» في موعظة بليغة مخيفة.
مكانته عند ولاة الأمر والعلماء وثناؤهم عليه:
حضر الشيخ عبدالمحسن اجتماع العلماء مع الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن والذي حُدد فيه ورسم به العمل في الدعوة إلى الله وتعامل العلماء بعضهم مع بعض.
ولما زار الملك سعود القصيم وزار الهلالية دعاه إليه وأجلسه بجواره وأكرمه معنىً وحسًّا.
وكان للشيخ عبدالمحسن صلةٌ قويةٌ وصداقةٌ متينةٌ بالشيخ عمر بن حسن آل الشيخ، وأخيه الشيخ عبدالله بن حسن، وكانا يقدِّرانه ويجلاَّنه، ويعتبان عليه إذا تأخَّر عن زيارتهما، وكان الشيخ عمر يزوره في الهلالية.
ثناء العلماء عليه:
ثناء سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ على الشيخ عبدالمحسن:
أخبرني الشيخ عبد القادر شيبة الحمد أن سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ جاءه أناس يشكون إليه قاضي البكيرية، فقال لهم معاتبًا: «أذكر في مجلس عمِّي الشيخ عبدالله بن عبداللطيف الشيخ عبدالمحسن الفريح، والشيخ عبدالرحمن العقلا ومعهما حوالي أربعين شخصًا، يلبسون عمائم لها ذوابة، وإذا مشوا خلفه كأن على رؤوسهم الطير، يمشون مشية النبي صلى الله عليه وسلم, وإذا جلسوا لا يلتف منهم أحد، وأنتم تشتكون قاضيكم...».
وأخبرني الشيخ القاضي عبدالله بن محمد العبيد قال: إن سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز يكثر من سؤالي عنه كل ما قابلته ويثني عليه.
وقال الأستاذ صالح العمري عن الشيخ عبدالمحسن: «اجتمعت به أكثر من مرة في الهلالية، وأعجبت بعلمه وعقله، وعجبت كيف يُترك مثل ذلك العالم بدون عمل يليق بعلمه! اللهم إلا أن يكون هو لا يرغب العمل، وهذا ما لست أستبعده».
وما ذهب إليه العمري صحيح، فالشيخ كان زاهدًا في الدنيا ومناصبها، وكان ينفر من الظهور والبروز، منقطعًا إلى التعليم والعبادة.
وقال عنه الشيخ العلاَّمة الفقيه عبدالله بن عبدالرحمن البسَّام: «كان غالب دروسه في كتب الحديث، مما طبع ذلك في اتجاه المترجم، حيث ظلَّ طيلة حياته ميوله نحو الحديث حفظًا وفهمًا، وكان من محفوظاته (منتقى الأخبار) للمجد ابن تيمية، وغيره من كتب الحديث».
وقال عنه الشيخ المؤرخ محمد بن عثمان القاضي: «كان كثير التلاوة والذكر لا يفتر لسانه منه، وكان يحفظ بلوغ المرام، والمنتقى، والعمدة... وبرع في علم الفرائض وحسابها، وله في التاريخ والسير والمغازي صولات وجولات».
وقال الأستاذ علي بن سليمان المقوشي (المدير) - في معرض حديثه عن الوالد-: والده عبدالمحسن أحد طلَّاب العلم القدامى الذين عاصروا الشيخ عبدالله بن عبداللطيف ودرسوا عليه، عيِّن في بداية عهد الملك عبدالعزيز -رحمه الله- في إحدى قرى البادية ثم عاد إلى القصيم وسكن في الهلالية، وكان إمام جامعها وكنَّا نزوره لنسمع ما يجدِّثنا به من العلم.
بره وإحسانه لأقاربه وكرمه:
كان الشيخ حريصًا على تفقد أقاربه وصلتهم والإحسان إليهم بما يستطيع برًا بهم وصلة لرحمهم.
أخبرني الشيخ القاضي محمد بن علي الفريح قال: كان العم الشيخ يشتري لنا كسوة ويجمعنا ويأمر بخياطتها بعد أخذ مقاساتنا، وكان يخبرني عنه ويترحم عليه ويبكي.
وكان رحمه الله يكرم أهل العلم ويحتفي بهم أخبرني والدي أن أهل العلم من المذنب وبريدة وغيرها يقصدونه بالزيارة فيكرم وفادتهم ويأمرني بالقيام بذلك.
وللجد أعمال خيرة أخرى وأوقاف متعددة.
وفاته:
بعد حياة مباركة حافلة في العلم والتعليم والقضاء والإمامة والخطابة والدعوة إلى الله والعطاء وصلة الرحم، توفي الشيخ عبدالمحسن في منزل والدي في البكيرية إثر إصابته بمرض البطن يوم الثلاثاء قبل صلاة الظهر 17 شوال سنة (1379هـ), وصُلِّي عليه في الجامع الكبير بعد صلاة الظهر ودفن في المقبرة الشمالية الغربية، وكان ذلك بعد صيامه للست من شوال، وقد اجتمع في جنازته خلق كثير جدًا.
وقد رؤيت له مراء حسنة منها: أن امرأة رأت عينًا يتدفق منها الماء بغزارة شديدة وعليها رجلان، فقالت لمن هذه العين فقالا: هذه لعبدالمحسن، فلما صلت الظهر أرسلت من أخبر والدي بذلك فأعلمها بموته. ورأى كذلك الشيخ صالح الشاوي رؤيا حسنة فلما حانت الصلاة ذهب إلى الجامع ليصلي ثم يسلم عليه ويخبره بما رآه، فرأى كثرة الناس فسأل عن ذلك فأخبر بموته.
قاعدة الجد الشيخ عبدالمحسن التي تصرف له بأمر الملك عبدالعزيز عن طريق أمير القصيم.
وقف الشيخ عبدالمحسن الفريح مصححًا عليها من الشيخ العلامة عمر ابن سليم وسماحة الشيخ عبدالله ابن حميد.
... ... ... ... ...
ثبت المصادر والمراجع
* الكتب المطبوعة:
1- الحنابلة خلال ثلاثة عشر قرنا, عبدالله بن محمد الطريقي، الطبعة الأولى 1433هـ، الرياض.
2- روضة الناظرين عن مآثر علماء نجد وحوادث السنين, الشيخ محمد عثمان القاضي، مطبعة الحلبي بمصر، ط1, 1400هـ.
3- زهر الخمائل في تراجم علماء حائل، الشيخ علي بن محمد الهندي، عناية إبراهيم بن عبدالله الحازمي، دار الشريف, ط1, 1427هـ.
4- علماء البكيرية خلال ثلاثة قرون، عبدالعزيز بن محمد الفريح ط2، 1443هـ.
5- علماء وأعيان آل سُلْمِي، عبدالعزيز بن محمد الفريح.، ط1، 1443هـ.
6- علماء آل سليم وتلامذتهم وعلماء القصيم، صالح بن سليمان العمري، ط1, 1405هـ.
7- علماء نجد خلال ثمانية قُرُون، الشيخ عبدالله بن عبد الرحمن البسام، دار العاصمة الرياض، ط2، ط3، 1419هـ.
8- مشاهير علماء نجد وغيرهم، عبد الرحمن بن عبداللطيف آل الشيخ، دار اليمامة الرياض، ط1, 1392هـ.
9- مشروع مسح المصادر التاريخية الوطنية، المرحلة الأولى 1416- 1417هـ،
الصُّحف والمجلات:
1- صحيفة الجزيرة،الجمعة 24 صفر 1406ه.
2- مجلة العرب 1415ه
المراجع غير المطبوعة:
1- وثائق مخطوطة مختارة.
** **
- أ.د. عبدالعزيز بن محمد بن عبدالمحسن الفريح