د. محمد بن إبراهيم الملحم
الدكتورة راشيل وايز Rachel Wise مختصة في علم نفس المدرسة وأخصائية في علم السلوك كتبت في هذا المجال حول تفوق طلاب التعليم المنزلي على طلاب المدارس لكنها شككت في مدى مصداقية نتائج تلك الاختبارات القياسية كون اختباراتها تطبق على طلاب التعليم المنزلي في المنزل بإشراف الوالدين وفي ثقة من الهيئات المشرفة على هذه الاختبارات مما يعني أن هؤلاء الطلاب ربما يتعاطف معهم آباؤهم أو أمهاتهم أثناء تأدية الاختبار فيساعدوهم وهو ما أدى إلى حصولهم على درجات عالية جداً في هذه الاختبارات تصل إلى 80 بالمائة مقارنة بمتوسط عام 50 بالمائة حصل عليه مجموع طلاب المدارس. ومع ذلك فإنها تشير إلى معيار مهم آخر لا يمكن التشكيك في مصداقيته وهو المعدل التراكمي لهؤلاء الطلاب في الجامعة حيث اتضح أن طلاب التعليم المنزلي تكون معدلاتهم الجامعية أعلى من أقرانهم الآخرين على وجه العموم أو على الأقل مساوياً لهم عند مزيد من ضبط المتغيرات خاصة ما يتعلق بالمستوى الاجتماعي لأسرة الطالب. والواقع إن كل من يطرح التعليم المنزلي كقيمة نوعية يقدمها الوالدان لأبنائهم الأطفال فإنما هو يستهدف في نهاية المقام تفوق الطالب في الجامعة وإمكانية تحقيقه مستوى أعلى من ذلك الذي كان سيحققه لو كان سيدرس من خلال المدرسة حيث كان سيعاني من إسقاطات الجو المدرسي النفسية السلبية على ثقته بنفسه وتحويل ملكة الإبداع العلمي والمعرفي لديه إلى صورة نمطية من الحفظ والتكرار أو التفكير المحدود بلغة الكتاب المقرر أو طريقة تفكير المعلم فقط. المتعلم منزلياً أكثر ثقة وأفضل مرونة في تفكيره ومداخله المعرفية مما يمكنه من التفاعل بشكل متميز مع ما تتطلبه الدراسة الجامعية من الاعتماد على الذات والبحث عن المعرفة والتفاعل الفكري الخلاق وتقديم التفكير التحليلي على النمطي والقدرة على النظر إلى أي موضوع من عدة زوايا بكل سهولة ويسر، وهو ما سجله كثير من الباحثين في دراستهم للأثر بعيد المدى للتعليم المنزلي، وخاصة عندما يقدم بطريقة صحيحة.
أيضاً، يشاع أمر حول أثر التعليم المنزلي السلبي على المهارات الاجتماعية للطالب المتعلم منزلياً وهو أن عدم ذهابه للمدرسة وتفاعله مع طلاب آخرين سيحرمه من تكوين المهارات الاجتماعية التي تمكنه من التفاعل مع الآخرين بشكل متكامل، والواقع إن التعليم المنزلي في أمريكا (وكثير من الدول) تأسست فيه ثقافة وممارسة عملية مهمة هي ضرورة تكوين جماعات تعاونية بين الآباء الذين يدرسون أولادهم بالتعليم المنزلي لكي يتعاونوا فيما بينهم على تنظيم أنشطة اجتماعية لأبنائهم الذين يدرسون في المنزل، مما يؤسس لدى هؤلاء الأبناء مهارات التفاعل الاجتماعي، وقد راجعت الدكتورة راشيل هذا الموضوع بحثياً ووجدت أن الأبحاث التي درست هذه الإشكالية المطروحة توصلت إلى أن الطلاب المتعلمين منزلياً لا يقلون في مهاراتهم الاجتماعية عن أقرانهم من طلاب المدارس بل هم غالباً متفوقون عليهم، ولتقوية الثقة في هذه النتائج فقد أشارت إلى أن كثرة الدراسات التي توصلت إلى هذه النتيجة هو جانب إيجابي مهم يؤكد صحتها، ويضاف إلى ذلك أن هناك دراسة أخرى عززت هذه النتيجة لأنها فحصت الموضوع بشكل علمي مقنن جداً فقد قام فيها الدكتور ريتشارد ميدلن Richard Medlin بدراسة سلوك الأطفال بواسطة أداة قياسية معروفة هي «قائمة سلوك الطفل» Child Behavior Checklist التي يستخدمها الباحث لإجراء الملاحظة المباشرة لسلوك الأطفال الاجتماعي وتسجيل هذه الملاحظات بشكل مقنن في الأداة لتقدم له بياناتها بعدئذ (بروفايل) واضحاً للمهارات الاجتماعية لكل طفل تمت ملاحظته، وقد كانت النتائج أن أطفال التعليم المنزلي لا يقلون في مهاراتهم الاجتماعية عن أقرانهم من أطفال المدارس إن لم يتفوقوا عليهم أحياناً.