مشعل الحارثي
إجلال وتقديس حرمة مكة المكرمة وتأصيل مفهوم تعظيم الكعبة المشرفة في البيئة المكية وفي قلوب المسلمين والوافدين إليها من الحجاج والعمار والزوار هو محور البرنامج الكبير في أهدافه ومراميه (تعظيم البلد الحرام) الذي انطلق في عهد أمير منطقة مكة المكرمة الأسبق صاحب السمو الملكي الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز رحمه الله بتاريخ 15 شعبان 1426هـ ومنحه مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة الحالي صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل عنايته واهتمامه الخاص كونه ينطلق من جوار البيت الحرام قبلة المسلمين وعاصمة الإسلام التي جعلها الله سلماً وسلاما وحرماً آمناً، وجعل حبها وتعظيمها من أشرف العبادات {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ } (67) سورة العنكبوت وقوله تعالى: {وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} (32) سورة الحج.
أرض بها البيت المحرم قبلة
للعالمين له المساجد تعدل
وبها المشاعر والمناسك كلها
وإلى فضيلتها البرية ترحل
والمسجد العالي المحرم والصفا
والمشعران لمن يطوف ويرمل
حرم حرام أرضها وصيودها
والصيد في كل البلاد محلل
وبها المقام وحوض زمزم مترعا
والحجر والركن الذي لا يرحل
وبمكة الحسنات ضوعف أجرها
وبها المسيء عن الخطيئة يسأل
يجزى المسيء عن الخطيئة مثلها
وتضاعف الحسنات منه وتقبل
وبرنامج تعظيم البلد الحرام هو أحد المشاريع التي تبنتها جمعية مراكز الأحياء بمكة المكرمة. وتعمل على تنفيذ عدد من البرامج الميدانية التفاعلية في مكة المكرمة ويقوم عليها نخبة من الشباب المتطوعين لخدمة حجاج بيت الله الحرام في استقبالهم والحفاوة بهم والقيام بعدد من الأنشطة الإعلامية التعريفية والتدريبية التي تبلغ ذروتها خلال موسمي رمضان والحج من كل عام، وقد حقق البرنامج الذي يقوم بالإشراف عليه نخبة مميزة من الرجال المخلصين والمتمكنين العديد من المنجزات المشرفة ليس لإنسان مكة المكرمة فقط بل للوطن عامة.
وأهل مكة غرس الدين فاجتن من
أغصانه ثمر التقوى وكن ثمرا
فإنهم صفوة المولى وخيرته
من خلقه ولهم في الفضل ما اشتهرا
سموا فخاراً وطابوا محتداً وزكوا
أصلاً وعلماً وطالوا مرتقى وذرى
وقد قدر لي الاطلاع على العديد من مناشط هذا البرنامج الفريد والمميز منذ انطلاقاته الأولى وكان له توهج خاص ومن ذلك كانت له مجلة دورية خاصة تحمل اسم (معاد) وهو أحد أسماء مكة المكرمة وتتناول عرض برامجه وفعالياته المتعددة والعشرات من الدراسات والمقالات التي تشير إلى بيان فضل وأهمية تعظيم البلد الحرام.
وكم مرة وقفت أسائل نفسي عن هذا البرنامج وأهميته الكبرى وكنت وما زلت اعتقد جازماً أنه برنامج ولد ليكون مشروعاً مستقلاً بذاته أو ركناً أصيلاً في عمل وزارة الحج والعمرة والزيارة فيحظى بخطط إستراتيجية وكوادر بشرية مؤهلة وميزانية ثابتة إلى جانب ما بدأ به من تعزيز الأعمال التطوعية في نفوس شباب مكة المكرمة وليمتد ذلك ليشمل كل أبناء المملكة لأن خدمة الحرمين الشريفين وسام فخر وشرف عظيم لكل سعودي، وأن يصل أثر هذا المشروع إلى الدول الإسلامية للتعريف به وعقد الدورات التدريبية للمسلمين في بلدانهم في كيفية تعظيم البلد الحرام والقواعد التي يجب أن يلتزموا بها توقيراً واحتراماً لها وتهيئتهم التهيئة اللازمة للتعامل الإسلامي والحضاري والإنساني مع المقدسات الطاهرة عندما يفدون إليها في حجهم وعمرتهم، وبث قيم التسامح والتآخي والتعاون التي دعا إليها الشرع المطهر وكافة القيم السامية وما تكرسه من مثل عليا وحياة أمثل للبشرية، إلى جانب الاهتمام بآثار البلد الحرام الخالدة وتنظيم الوصول إليها لما توحيه للمسلمين لدى زيارتهم لها والوقوف عليها كجبل النور وغار حراء وغار ثور وطريق الهجرة ودار الندوة ودار الأرقم والمساجد الأثرية وغيرها من هذه المعالم وما تبثه في نفوسهم من شعور بالفرحة وانشراح الصدر والإجلال والعظمة والبهاء القدسي لرؤية معالم البلد الحرام بدءا من بيت الله المعظم وكعبته المشرفة ومقام إبراهيم وحجر إسماعيل وزمزم والملتزم والحطيم.
وحراء وزمزم والمصلى
ومنى والمقام والمروتان
والمحاريب والمشاعر كون
ناطق بالتقى والإيمان
هذه مكة فحي المغاني
بين أرجائها بعذب الأماني
فإذا نظرت للكعبة الغراء
فاسجد لفاطر الأكوان
فهنا بيته وهذا حماه
فاز فيه الحجيج بالغفران
والمنارات حوله شامخات
رجعت في السماء صوت الأذان
وعبر التاريخ وضع عدد من العلماء والكتاب قديماً وحديثاً الكثير من المؤلفات والمصنفات في باب المدن والعواصم وحواضر العلم والفكر والتجارة والقوة العسكرية، وكان لمكة المكرمة الحظ الأوفر من تلك المصنفات المتنوعة التي تناولت مكانتها ومنزلتها وتاريخها وآثارها وأحداثها، وبناء الكعبة، وحياتها العلمية ومشاهير علمائها والمجاورة بها، وجوانبها الجغرافية والعمرانية، والتطورات التي مرت عليها عبر العصور وكل ما يتعلق بالحج وشؤونه وتنظيمه والجوانب الشرعية والفقهية فيما يتعلق منها بالشعائر والمناسك.
وعز في الناس من عزت بلادهم
بما أشادوا لها أو شيدوا فيها
ولا كمكة في الأمجاد من وطن
حاشا ولا مثلها أهل كأهليها
الله يختار من يرضى لجيرته
أهلاً وجيرة رب البيت ترضيها
ومكة قبلة الإسلام تجمعهم
عقود نور أضاءت بين ناديها
إنني ومن خلال معرفتي التامة بأن قطار التنمية والتطوير لدى سمو أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل لا يهدا ولا يتوقف، واستشعاراً لمهابة ومكانة وحرمة المكان (مكة المكرمة) التي تحتل سويداء قلب سموه الكريم فجعلها هي البؤرة والمنطلق لكل مخططاته واستراتيجياته في تطوير منطقة مكة المكرمة وفي أن تكون هي الأنموذج المشرف والملهم في المملكة العربية السعودية والعالم الإسلامي بل والعالم أجمع بأن يأتي تطوير هذا البرنامج والارتقاء به ضمن اهتماماته وأولوياته ويلقى منه كل عناية ورعاية ليكون مشروعاً متكاملاً يسعى لتحقيق العشرات من الأهداف والمرامي السامية، ويبث في العالم حضارة ديننا الإسلامي القويم، وإرث أبو الأنبياء إبراهيم الخليل وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام وشرف الانتساب إلى أشرف البقاع إلى الله وأحبها لرسوله صلى الله عليه وسلم وكما افتخر بذلك سموه الكريم:
أنا أول نور في عيني سناها
وأول صوت في سمعي نداها
وأول شربة من حلو ماها
وأول ما وطت رجلي ثراها
ولو شطت بي الأيام عنها
ترى أول ما دخل صدري هواها
وأنا لي الشرف صرت ابن مكة
ولد فيها نبي الله طه
يظلنني من الكعبة كرامة
وروحي تقطع بزمزم ظماها
أحب أم القرى حبي لنفسي
وأعشق أرضها وأهوى سماها
إن خدمة الحرمين الشريفين ورعاية ضيوف الرحمن كانت وما زالت محل اهتمام قادة وحكومة المملكة العربية السعودية وفي مقدمة أولوياتها منذ أن وحد شتاتها وأرسى ثوابتها جلالة الملك عبدالعزيز غفر الله له وما حققه من منجزات غيرت ملامح الجزيرة العربية فقضى على ما كانت تعيش فيه من خوف وفوضى وضياع وما أضفى عليها من أمن وأمان وتسهيلات لحجاج وقاصدي البيت الحرام وما وضعه من تنظيمات لأداء هذه الشعيرة بكل يسر وسهولة.
بعزمتك ازدهى البيت الحرام
وسادته السكينة والسلام
حبوت حجيجه أمناً ويسرا
فطاب لهم بمغناه المقام
وأضحى الحج ميسوراً وزالت
بلا مهل مصاعبه الجسام
وكنت لنا الكفيل بذا فشكراً
لفضلك أيها الملك الهمام
وجاء الملوك من أبناء الملك المؤسس من بعده إلى العهد الزاهر لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين رعاهما الله فاستشعروا عظمة هذه المسؤولية الكبرى تجاه خدمة الأماكن المقدسة وخدمة الإسلام والمسلمين واعتبروه واجباً يتفانون للقيام به والتقرب به إلى الله، وبذلوا في سبيل ذلك الغالي والنفيس، ورصدوا الميزانيات الضخمة لإقامة الهيئات الملكية للإشراف على إنجاز مشاريع عمارة المسجد الحرام وتوسعاته والأعمال التطويرية، والقيام بهذا الدور الريادي العظيم، وقبل ذلك رفضوا كل ألقاب العظمة والتبجيل وارتضوا لأنفسهم في مخاطباتهم والتعامل معهم بمسمى خادم الحرمين الشريفين.
خدمتم الحرمين الطاهرتين وقد
هيأتموا عرفات الله ثم منى
كل المشاعر قد أضحت مهيأة
حتى غدا الحج سهلاً ليس فيه عنا
فيا له من شرف عظيم واعتزاز ورفعة بهذا الدور والمسؤولية التي خص الله بها إنسان هذه البلاد الطاهرة قيادة وشعباً ولم تعط في هذا الوجود لأحد سواه والتي تستوجب منا جميعاً أن ندرك هذا الفضل والتفرد ونحرص على أن نحافظ عليه ونرتقي به على الدوام.