حسن اليمني
هل هناك علاقة بين أوكرانيا وفلسطين؟ سواء قرئ السطر من اليمين إلى اليسار أو العكس فإن اكتفاء روسيا بشرق وجنوب أوكرانيا وترك جزئها الغربي محل صراع مع الغرب للاستنزاف هو في عمقه مماثل لخلق إسرائيل في فلسطين.
أي نعم انتهى الصراع العربي الإسرائيلي على الأقل مع الدول العربية التي دخلت الغلاف الإبراهيمي لكن هذا لا يعني أن أس القضية انتهى، فلا زال الفلسطينيون مسلمين ومسيحيين تحت الاحتلال الإسرائيلي دون أي ملامح انفراج لا بل إن صعود اليمين المتطرف الصهيوني أحكم سيطرته إلى حد الاختناق، الخنق الذي خلقته القوة المتكبرة على الواقع في تطرف التطرف اليميني الإسرائيلي لم يخنق الفلسطينيين بل خنق إسرائيل نفسها، فقد أغلقت كل سبل ومنافذ التكتيك السياسي أمام إسرائيل لكسب الوقت وتقديم صورة ولو كاذبة بخصوص حل القضية، فهي حاصرت غزّة من كل جانب وأغلقت أي نشاط للسلطة الفلسطينية وجعلت الوجود الفلسطيني غير موجود، لكن الشعب الفلسطيني موجود والمقاومة موجودة والسلطة موجودة...
في ذات الوقت يأتي تفجر الوضع في أوكرانيا ووضوح الغاية الروسية الساعية لضم شرق وجنوب أوكرانيا وترك غربها في حالة استنزاف مع الغرب ليخلق مساحة ساخنة في أوروبا تحت مسمى احتلال ومقاومة، الغرب الذي يستنكر المقاومة الفلسطينية هو الذي يدعم المقاومة الأوكرانية وهنا لا بد وأن يوضح الغرب كيف يكون الاحتلال احتلالاً وكيف تكون المقاومة مقاومة، لا شك روسيا ستصف المقاومة الأوكرانية المدعومة من الغرب بالإرهاب تماماً كما يفعل الغرب مع المقاومة الفلسطينية، وهنا تظهر ما يسمى «الشرعية الدولية» في حالة تناقض وتعرٍّ من المصداقية ما يجعل الحاجة لإعادة ترتيب قواعد الأخلاق السياسية ضرورة بل إجبارية لكسب الحلفاء من دول العالم ضد روسيا لدعم المقاومة الأوكرانية وتفعيل المقاطعات الاقتصادية والتجارية بما يحقق إمكانية إضعاف روسيا اقتصادياً وإخراجها من المؤسسات العالمية كما حدث في هيئة حقوق الإنسان التي سيتبعها محاولات إخراج روسيا من دول العشرين وغيرها من الهيئات والمنظمات الدولية وهو أمر يهيئ النظام العالمي الحالي للانهيار، لكنه يبقى أمراً في غاية الصعوبة ويكفي أن الكيان الصهيوني اتخذ موقف الحياد بين روسيا والغرب، هذا وهي الربيبة والمدللة فكيف بدول أخرى تميل مصالحها نحو روسيا أكثر منه مع الغرب سواء بالرغبة أو بالضرورة الجيواستراتيجية خاصة في آسيا، فالوجود الروسي متوفر في إفريقيا وأمريكا اللاتينية أيضاً بما يحمله من علاقات مصالح وأمن ودفاع، بل إن روسيا على حدود فلسطين وتركيا في سوريا، وقد أدخلت حسب أنباء إعلامية قرابة 14 صاروخاً نووياً في سوريا بما يعني أن حياد الكيان الصهيوني حتى وإن أغضب الغرب سيبقى.
إزاء وضع كهذا فإن عودة القضية الفلسطينية للسطح وشاشات الإعلام الفضائية ستجعل وصف مقاومة بالبطولة ومقاومة أخرى بالإرهاب أمراً غير منطقي ولا يمكن استيعابه حتى في ذهن الغربي والأمريكي، وهو إن حصل سيجعل الوجود الإسرائيلي في فلسطين سؤالاً مطروحاً لا يمكن أن يجد له الغرب جواباً أو تبريراً، إذن هناك علاقة قوية بين ما يجري في أوكرانيا وبين ما هو في فلسطين، وإذا كان صقر أحداث أوكرانيا هو فلاديمير بوتين فإن المنطق أن يكون في الكيان الصهيوني حمامة من اليسار تجيد لعب الوقت وتدليس المعاني كما كان يجري منذ اتفاقية أوسلو وهو أمر يستحيل اليوم فيه وصول اليسار الإسرائيلي لسلطة الحكم في الكيان، بل إن اليمين المتطرف بوجود مناحم بيجن وأريل شارون وإسحاق شامير يعتبر اليوم معتدلاً أمام بنيامين وبينيت بمعنى أن السلطة في الكيان الإسرائيلي وصلت إلى حدّها الأقصى الخانق لها.
الواقع أن وضع النظام العالمي السائد منذ الحرب العالمية الثانية أبعد من قضيتي فلسطين وأوكرانيا، بل إنه أي واقع اليوم يهز أسياد النظام العالمي في الغرب ويوشك إسقاطه، ليس شرط أن تقوم حرب عالمية ثالثة بالصور التي اعتدناها في الحروب بما يملكه الطرفان المتصارعان من أسلحة دمار تقضي على حياة الكرة الأرضية لكنها في اعتقادي نشبت فعلاً مبتدئة في ضرب شرعية هذا النظام العالمي وتعرية ازدواجية معاييره واختلالها بما يستوجب تأسيس نظام عالمي جديد يحتم إعادة بناء التحالفات على مسطرة الحقوق التاريخية، بيد أن هذا لن يظهر ويتجلي بشكل واضح ويصبح أمراً متداولاً إلا حين تظهر مؤشرات صحّة هذا الاعتقاد في تطور الوضع في أوكرانيا ومصير غرب أوكرانيا وإن كان إعادة تصحيح التاريخ لدى بوتين ستمتد إلى صربيا التي قرر برلمانها عام 1999م الانضمام إلى روسيا خاصة بعد تصويت صربيا مع قرار طرد روسيا من هيئة حقوق الإنسان بما شكل صدمة قوية لدى الرئيس الروسي بوتين، أضف إلى ذلك الصين وتايوان ثم ماذا عن فلسطين وهل ستبقى هادئة وإلى متى؟ وفي حال انفجرت الأوضاع كيف ستكون المواقف؟