«الجزيرة» - كتب:
تبحر زاوية من ذاكرة المكتبة اليوم في بحر أديب متطور، صاحبته حكاية التجديد في أغلب مؤلفاته، وهو أ. د. إبراهيم بن فوزان الفوزان الذي غادرنا قبل أيام -رحمه الله-، وهو أحد رواد الأدب السعودي الحديث، حيث سعى في بحثه ودراسته وتوثيقه عبر عدة اتجاهات، يتصدرها كتابه: «الأدب الحجازي بين العواد والقرشي»، الذي ستلقي الزاوية الضوء عليه اليوم.
فهذا الكتاب أصله رسالة ماجستير نوقشت عام 1390هـ فحصل بها د. إبراهيم على الدرجة العالمية بجامعة الأزهر، وقد دون على غلاف الكتاب أنه ألف عام 1390هـ.
وقد طبع هذا الكتاب لاحقًا عام 1429هـ، ولكن العجيب في الأمر أن المؤلف لم يغير في رسالته حرفًا واحدًا فكان الكتاب مطابقًا للرسالة حين ناقشها الفوزان عندما كان طالبًا بجامعة الأزهر ولذلك حكاية!
فلسفة في التأليف
ولسائلٍ أن يسأل عن سبب توجه د. الفوزان بطباعة رسالته بعد أكثر من خمسين عامًا! دون أن يغير فيها حرفًا واحدًا!
والسبب كما يراه الفوزان أن كل مرحلة من المراحل العلمية التي يمر بها الباحث تعكس جانبًا من شخصيته، فلماذا يتم تغيير ذلك وتحسينه، ومن يفعل ذلك فكأنه شخص يقوم بتعديل صورته قبل سنوات وهذا لا يستقيم، حيث يرى رحمه الله أن مثل هذه الأعمال يجب أن تطبع كما هي دون أي تغيير وهذا ما التزم فيه عند طباعته لكتابه: «الأدب الحجازي بين العواد والقرشي»، الذي يقول في مقدمته: «كنت في مكتبتي الخاصة، وإذا بي أشاهد وأفاجأ بلقاء صديق حميم سبق أن قاسمني مشاعر الطموح والحب والشباب، وقد انقطع تواصله عني منذ ثان وثلاثين سنة، ويقول: لماذا هذه القطيعة؟ أريد إعادة تلك الصداقة لعلي أفيد من خبرتك. فعرفني وعرف المجتمع علي لأنني مللت هذه العزلة؛ وأنت أنت وحدك القادر على تحقيق هذا الطلب إذ قمت بطباعتي؛ وأنت المتمكن مادياً، فلا مبرر لهذه القطيعة والجفاء بيننا!
فقلت: يا عزيزي، أنا أعلم أن علاقتي بك في الشباب، وتلك الذكريات تشكل جزءاً من مراحل حياتي، ولكن إعادة تلك الذكريات، قد لا تفيد الآخر لفوات زمنها، خاصة وقد تطور المفهوم المعرفي عن تلك السير التي تعنيها، ولكنه أكد رغبته في النشر للتأريخ بحجة أنه لا جديد لمن لا قديم له. وأسمح له أن يقول لمن يرغب التعرف عليه: إنه صديق حميم لإبراهيم ابن فوزان الفوزان المدرس بمعهد الطائف العلمي عام 1390هـ قبل 38 سنة، وانقطع عني وانقطعت عنه، وها أنذا أعيد بموافقته تلك العلاقة، وروى لي انشغاله عني: ففي 5-9-1392هـ تم نقله من المعهد العلمي بالطائف للتدريس في قسم الأدب بكلية اللغة العربية بالرياض، بقرار من نائب رئيس الكليات والمعاهد العلمية الشيخ عبدالعزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ، وذلك على وظيفة أستاذ مساعد في قسم الأدب، وهو أول سعودي يعيّن بهذا القسم على هذه الدرجة العلمية، وفي نهاية عام 1393هـ صدر قرار ابتعاث أول مجموعة من أعضاء هيئة التدريس من كليات الرئاسة... إلى مصر من سجلوا موضوعاتهم للدكتوراه، وهم: إبراهيم الفوزان من قسم الأدب، ومحمد المفدى من قسم النحو، وثلاثة من كلية الشريعة وهم: محمد بن صالح، وعبدالله الزايد، وعبدالله الركبان. وفي عام 1396 هـ حصل الفوزان على درجة الدكتوراه من كلية اللغة بجامعة الأزهر، وبعد عودته من البعثة زاوج بين التدريس بقسم الأدب والعمل الإداري. وهو أول سعودي يتأهل في الدراسات العليا ويحصل على شهادة الدكتوراه في الأدب والنقد من منسوبي هذا القسم، واستمر في تدريس مواد قسم الأدب في هذه الكلية وغيرها، ولم ينقطع عن ممارسة التدريس، رغم عمله في وكالة كلية العلوم الاجتماعية عام 1398 حتى 1402هـ، ثم في عمله كعميد للقبول بالجامعة من عام 1402 حتى 1408هـ، ثم عودته لقسم الأدب وتدريس مادة تاريخ الأدب السعودي، ثم التدريس في الدراسات العليا. ولا يزال يمارس التدريس بهذه الكلية وقد قدم مجموعة من البحوث للترقية لدرجة أستاذ مشارك ثم أستاذ، وتم طبعها بعد الترقية، وموضوعاتها عن الأدب السعودي، والذي لم يطبع في طريقه إلى النشر إن شاء الله.
وهذه ملامح من محطات حياة الأستاذ الدكتور إبراهيم الفوزان، وها أنذا أظهر لمن يرغب التعرف على واقع الأمس عن جهود الفوزان تجاه أدب
وأدباء هذا الوطن العزيز على الجميع. وفي الختام أكرر تقديري له بأن أشترك معه بالاسم إبراهيم بن فوزان الفوزان، وأقدر له قبول إعادة تلك الصداقة بعد هذا الصمت الذي فرضته عليه مشاغل العمل الإداري، ووجود الصداقات الماثلة لي عنده وقد اشترط علي مقابل هذا السماح بطبعي، نشر هذه الملامح، ولمحة عن سيرته، وصورة من مشاعر الزملاء والأصدقاء نحوه، فوافقت على ذلك في آخر الكتاب وفقه الله في الدنيا والآخرة وكل من شهد أن لا إله إلا الله آمين.
نسأل الله العلي القدير أن يغفر للأديب أ.د. إبراهيم بن فوزان الفوزان، وأن يغفر له ويرحمه وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يكون ما قدمه للمكتبة السعودية من بحوث ودراسات في ميزان حسناته.