«الجزيرة» - كتب:
ضمن إصدارات المجلة العربية الكتاب رقم (275) من إصدارات المجلة العربية، للباحث الأستاذ: إبراهيم بن سعد الحقيل، كتاب: «شعراء الكنى من معجم الشعراء للمرزباني»، ويقع هذا العمل في 287 صفحة من القطع المتوسط، إلا أن المجهود الذي بذل في الكتاب كبير! حيث يندرج هذا العمل ضمن نطاق البحث العميق، الذي تناول عبره الباحث مصنف أبي عبيدالله المرزباني المسمى المفيد، الذي خصص فيه فصلاً لشعراء الكنى والمغمورين والمجاهيل، اختزله في كتابه المعجم مقتصرًا فيه على ذكر أسمائهم فحفظ لنا أسماء ثلاثمئة وثمانية وخمسين شاعرًا، ويتأطر مجهود الحقيل في الكشف عن هؤلاء الشعراء ليعرف بهم ويتتبع أخبارهم وأشعارهم.
يقول الحقيل في بيانه لأهمية موضوع الكتاب: «عانى شعراء الجزيرة العربية وبخاصة بعض أصقاعها من الغياب، فقد تجافت المصادر عن ذكرهم والترجمة لهم. وظهر ذلك بشكل تدريجي، بدأ من انتقال السلطة السياسية خارج الجزيرة حتى خروج العرب من المسرح السياسي مع قيام الدولة العباسية. ويلحظ القارئ لكتاب التعليقات والنوادر لأبي علي الهجري نحو290ه أن جل شعرائه لا يجد الباحث لهم ذكرا في كتب ذلك العصر وبعده. وقد عزز هذا الأمر أن كتاباً اعتنى بذكرهم وذكر نماذج من أشعارهم فقدت؛ فرمي بهم في مجاهل النسيان؛ ذلك الكتاب هو مصنف أبي عبيدالله المرزباني المسمى (المفيد). فقد خصص فيه فصل لشعراء الكنى والمغمورين والمجاهيل، اختزله في كتابه (المعجم) مقتصراً فيه على ذكر أسمائهم. فحفظ لنا أسماء ثلاثمئة وثمانية وخمسين شاعراً 358، جلهم من عرب الجزيرة العربية، كما سيتبين ذلك لاحقا. كما أورد المرزباني معهم طائفة من الشعراء المحدثين من العراق والشام ومصر وفارس. فحفظ لنا كناهم وأنسابهم، وأبقى ذكرهم. وكان الباحث قد جذبه هذا الفصل؛ فهو يثير الفضول، ويجعله مع تحد لكشف النقاب عن هؤلاء الشعراء؛ فينقب عنهم؛ محاولاً التعريف بهم: أنسابهم، أزمانهم، أخبارهم، أشعارهم. فكان البحث مشوقا. حيث كشف عن مجموعة كبيرة من هؤلاء الشعراء الذين طواهم النسيان؛ حتى وصفوا بالجهالة والانغمار.
لقد كان بعض هؤلاء الشعراء مجيدين، لهم حضور في زمنهم لا يوازي حضورهم في الطروس التي سودتها الأحبار في عصور التدوين. فمن ثم كان هذا البحث الذي حاول الباحث فيه أن يصل به إلى المأمول، وهو على يقين أن شرف المحاولة يكفي؛ لأن كل عمل مرتبط بكائن بشري يكون من خواصه النقص والخلل؛ لأن هذا من أخص خصائصه التي جبله عليها خالقه عز وجل. وقد حاول الباحث الحصول على صورة من الأصل ملونة، لأن ذلك يساعد في صواب القراءة، وخاصة أن المخطوط من القطع الصغير، فلم يوفق لذلك، 8 شعراء الكني.. من معجم الشعراء للمرزباني فاكتفى بمصورة غير ملونة، محفوظة بمركز جمعة الماجد بمدينة دبي، الذي سارع القائمون عليه مشكورين بتزويد الباحث بمصورة من المعجم وككل عمل جاد فإن الصعوبات التي تواجه الباحث تنطوي على المسيرة لأنه يحل عقد بعضها فتستقيم معه، ويحاول حل العويص منها قدر استطاعته، فمع كل عقدة تحل تزيد المتعة والنشوة.
ولعل أبرز الصعوبات التي واجهها الباحث:
1. الاعتماد على مصورة النسخة اليتيمة، ويعلم المحققون تلك المخاطرة التي تواجه من يحقق على نسخة يتيمة، مصورة بعد ذلك وليست الأصل المخطوط، مما يجعل المحقق يقبل بما كتب ولا يجد عنه محيصاً.
2. التحريف والتصحيف الذي لحق الباب الخاص بشعراء الكني في الكتاب، فالأعيوي أصبح الأعيوني، والبجلي أصبح القرشي، والتيمي أصبح التميمي، وغيرها مما سيجده القارئ في ثنايا هذا البحث.
3. التصحيف والتحريف الذي لحق مصادر البحث، وسيجد القارئ إشارات لذلك بين سطور الكتاب. فالتغلبي يصبح الثعلبي، وحليل يصبح خليلاً وأبوالسنابل يتحول إلى أبي السنابك. وليت الأمر وقف على هذا بل إن محقق الكتاب يعمد إلى إبدال ما جاء في الأصل على الصواب اعتمادا منه على مصدر آخر محرف؛ كما سيرد معنا في أبي الزهر.
4. صعوبة الجزم في مواضع من البحث، حيث إن التصحيف والتحريف يلحق الأسماء ويصعب تصحيحه تبعا لنسق الكلام وصحة المعنى، ولهذا حاول الباحث أن يجتهد في بعض المواضع؛ لأن الكنية التي وردت في المعجم قد تكون وردت في مصدر واحد بشكل مختلف، ولا يستطيع الباحث ترجيح الأمر، فقد يكون ما في المعجم مصحفا أو محرفا ومثل ذلك سائغ في المصدر المعزز.
وإذا تجاوز الباحث تلك الصعوبات المتوقعة فإن هذا العمل يكشف لنا ترابط التراث العربي، ويبين بجلاء أن الباحث لا بد وأن يكون ذا بصر بجميع المصادر التراثية، فقد كانت الرحلة مع شعراء الكنى تحط رحالها في كتب اللغة والأدب والمعاجم والتاريخ والتراجم والفهارس والأنساب والسيرة النبوية والمغازي النبوية، مما يرسخ النظرة لذلك التراث كوحدة واحدة، أو دائرة ترتبط أجزاؤها، فمن لم يستدر عليها فلن يستطيع فك مغاليق مصنفات الأوائل المبدعين، الذين ما زلنا ننهل من فيض علومهم. أما المنهج الذي سار عليه الباحث في تتبع شعراء الكنى فلم يأت ببدع جديد، وإنما هو منهج مألوف في مثل تلك الدراسات، يقوم على الخطوات التالية:
1. الاعتماد على مصورة مخطوطة المعجم، التي حصل عليها الباحث من مركز جمعة الماجد، مع الاستئناس بالطبعات الثلاث للمعجم.
2. تم ترتيب الشعراء ترتيباً هجائياً، دون النظر إلى ترتيب المرزباني في ذلك الفصل من معجمه. ذلك أنه لم يلتزم الترتيب الهجائي داخل الحرف الواحد، كما غلبه السهوي في موضعين، فجعل اثنين في غير مواضعهما المستحقة هجائيا.
3. ترقيم كل اسم أورده المرزباني سواء من وجد عنه خبر أم لم يوجد، مع التعريف بأنساب من لم يهتد إليهم.
4. التعريف بالشاعر بناء على ما بين أيدينا من المعلومات، تلك التي تبين نسبه وزمنه وموضعه الذي ينسب إليه، والموضع جدير بالعناية؛ ذلك أنه يساعد في تحديد زمنه ولو على التقريب، فالبصري والكوي والمصري، كلها مواضع لم ينسب إليها إلا في أواخر القرن الأول الهجري، وعلى كل حال فإن هذه المعلومات التي تم العثور عليها تتفاوت بين شعراء الكنى، فمنهم من نجد اسمه، وبعض خبره، وشيء من شعره، ومنهم من تقتصر تلك المعلومات على ذكره فقط.
5. يورد الباحث من شعر الشاعر ما يبين جودة شعره، وقدرته على القول. وقليل منهم من عثر الباحث على أكثر من نموذج من شعره؛ بعضها مطولة كأبي العيال الهذلي، وأبي أسامة الجشمي، وأبي مالك الأعرج، وجلهم لم يعثر الباحث إلا على أبيات قليلة.
6. التعريف ببعض الأعلام الواردة أسماؤهم في ثنايا البحث؛ ممن يكون للتعريف بهم أهمية التعريف بالشاعر وزمنه، وعلاقاته مع معاصريه، كما تم شرح بعض المفردات الواردة في الشعر، لتعين القارئ على فهم النص، وتلقي ضوءا على معجم شعراء الكنى اللغوي.
وختاما يمني الباحث نفسه - وليست كل الأماني كاذبة - أن يكون قد قدم ما يفيد وما يروق، فهو قد بذل جهده، وجعل البحث عن هؤلاء الشعراء وكدته؛ ليقدم ما يفيد الفضاء الأدبي الواسع، وهو وإن كان شديد السرور بالثناء على ما يقدم فإنه عظيم الاغتباط بكل نقد هادف؛ يقيم أود هذا البحث، ويجلو هناته وعثراته؛ لأن المرء قليل بنفسه كثير بإخوانه».
ويكشف هذا الكتاب عن مجموعة كبيرة من الشعراء الذين طواهم النسيان؛ حتى وصفوا بالجهالة والانغمار.
فقد عانى شعراء الجزيرة العربية وبخاصة بعض أصقاعها من الغياب، حيث تجافت المصادر عن ذكرهم والترجمة لهم. وظهر ذلك بشكل تدريجي، بدأ من انتقال السلطة السياسية خارج الجزيرة حتى خروج العرب من المسرح السياسي مع قيام الدولة العباسية.
ويلحظ القارئ لكتاب التعليقات والنوادر لأبي علي الهجري أن جل شعرائه لا يجد الباحث لهم ذكرا في كتب ذلك العصر وبعده. وقد عزز هذا الأمر أن كتاباً اعتنى بذكرهم وذكر نماذج من أشعارهم فقد؛ فرمي بهم في مجاهل النسيان؛ ذلك الكتاب هو مصنف أبي عبيد الله المرزباني المسمى (المفيد). فقد خصص فيه فصلا لشعراء الكنى والمغمورين والمجاهيل، اختزله في كتابه (المعجم) مقتصراً فيه على ذكر أسمائهم. فحفظ لنا أسماء ثلاثمئة وثمانية وخمسين شاعراً، جلهم من عرب الجزيرة العربية.
هي دعوة لمراكز البحوث والنوادي الأدبية في أن تبتعد عن طباعة الكتب التي لا تحمل قيمة علمية، إلى الكتب التي تمثل كنزًا ثمينًا مثل هذا الكتاب الذي بين أيدينا في هذا العدد الذي نسأل الله لمؤلفه التوفيق والسداد.
** **
- إبراهيم بن سعد الحقيل