من لحظة تزاحم الأعمال في أجندة صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض -حفظه الله- في الأسبوع الأخير من شهر شعبان، خرج قلب الأمير النقي ووجهه الباسم وروحه القريبة الآسرة التي رفضت الجفاء في العلاقة بين الحاكم والمحكوم، بعد أن تأخر عن حضور الحفل السنوي لجمعية خيرات لحفظ النعمة بفندق الريتزكارلتون، الذي كان يتوجب على سموه أن يلتزم بالوقت المحدد لهذه الفعالية، فطلب المايك بعد وصوله لمقر الحفل، ليقول بكل تواضع ومسؤولية: «في البداية أعتذر عن التأخير نصف ساعة؛ نظراً لتعطُّل سيارتي في الشارع». وأضاف أمير منطقة الرياض أنه اضطر إلى ركوب سيارة أخرى للوصول في الموعد بعد تجاوزه نصف ساعة؛ مقدماً اعتذاره مرة أخرى، وسط تصفيق وتفاعل من الحضور.
ليس بالمستغرب أن يصدر هذا الاعتذار من أمير الأخلاق والتواضع، فليست الحالة الأولى، وأتذكّر هنا فعلاً شبيهاً لسموه - حفظه الله - قبل عامين عندما قدّم اعتذاره لأحد طلاب جامعة الملك سعود، في كلمته في حفل افتتاح مبنى كلية التمريض في الجامعة، الذين اتخذ فيه المنظمون إجراء إغلاق مواقف السيارات في الجامعة بسبب رعايته للحفل، وكان هذا الاعتذار تفاعلاً مع تغريدة قرأها سموه في التويتر، ليقول في كلمته معتذراً: «أعتذر للأخ خالد عمَّا حصل له ولزملائه وأطلب من رئيس الجامعة والزملاء أن يكون هذا المبدأ منطلقاً للجميع، وهو ألا يتم حرمان الطالب من أي حق من حقوقه ومن إتاحة مواقف السيارات للجميع بيسر وسهولة، ويجب ألا يمنع أحد من الاستفادة من هذه الخدمات لأنه أمر لا يجوز».
سمو الأمير فيصل بن بندر لفت الأنظار إلى موضوع مهم، من الواجب أن لا يغيب عن أنظارنا جميعاً، كمواطنين في هذا الوطن العظيم، وهي فضيلة أن يعترف الإنسان بالخطأ مهما كان صغيرًا، فالاعتذار من شيم الكبار، وليس مجرد جرح للكبرياء والكرامة أو يحط من الرجولة والشهامة، أو يدل على الهوان أو الضعف والذل، إنه يفرض إيقاعه الأخلاقي وحسه الإنساني، ويقدم ما يمكن لأجل أن تدخل البسمة على من أحاط به تقصير، ويستوقف الممتلئين بأرصدة الخير والحب والنضج والثقة في النفس فيأخذ بأيديهم لمواطن الإنسانية القوية المتوازنة عقلياً وأخلاقياً، والمتحضرة بثقافة السلوك ودائرة تحكيم العقل وراحة الضمير، وهي نظرات ومبادئ - بلا شك - تدعو للاعتزاز والفخر.
وأكتب كذلك لأمرٍ بارز أجلته للسطر الأخير، لأنه الوهج والضوء في هذه المساحة الهادئة، أكتب عن فيصل بن بندر الأمير المسؤول الواعي المدرك والقارئ الدقيق والمتابع لما يحيط به من أحداث في منطقته، اقتربت منه بقصر الحكم بمدينة الرياض في منتصف شهر شعبان الفائت للسلام على سموه، فلم أره إلا أميراً للمبادرات العطرة ومبتسماً ومتفائلاً ومحباً لقيادته الرشيدة وراغباً في النمو والتغيير، وأعرف أخيراً أنه لا يريد أن أفسح هذه المساحة التبجيلية، لتفاعل غير مستغرب من مواطن سعودي برتبة أمير، لكنها سطور هي من باب الوفاء وكلمة الحق في آن واحد.