فضل بن سعد البوعينين
بالرغم من ريادة المملكة في العمل الإنساني محلياً وخارجياً، إلا أنها كانت في أمس الحاجة إلى تنظيم القطاع الخيري وإعادة بنائه على أسس متينة محققة للأهداف التنموية ومعززة للموثوقية، إضافة إلى معالجة التحديات، وتسهيل عمليات المساهمة المجتمعية في تمويل البرامج الإنسانية، وضمان إيصالها لمستحقيها في زمن قصير مع تحقيق متطلبات الأمن. لذا اهتم سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بإعادة هيكلة القطاع غير الربحي، وتطويره ورفع كفاءته وموثوقيته، وزيادة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، فأصبح من أركان رؤية المملكة 2030 التي أعادت هيكلة القطاعات الاقتصادية والتنموية، ومنها القطاع الثالث، على أسس حديثة تسهم في تحقيق التنمية الشاملة، والتنوع الاقتصادي، والاستدامة.
منصة «إحسان» كانت خيارا مهما لتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030م ذات العلاقة بالمساهمات الإنسانية، ودعم القطاع غير الربحي من خلال رقمنة وتنظيم تلقي التبرعات وإعادة توزيعها بموثوقية عالية، عبر استثمار البيانات والذكاء الاصطناعي وخلق الحلول التقنية التي أسهمت في رفع كفاءة واستدامة القطاع غير الربحي.
نجحت الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي «سدايا» في إطلاق منصة العمل الخيري «إحسان» لدعم العطاء الإنساني في المملكة، وتسهيل جمع التبرعات وفق آلية تقنية موثوقة تربط المتبرع مباشرة بالحالة المستهدفة بالدعم.
استثمار التقنية في العمل الخيري من ثمرات رؤية 2030 التي ركزت على التحول الرقمي في جميع القطاعات، ومنها القطاع غير الربحي، الذي تطور بشكل سريع خلال فترة زمنية قصيرة. قد يكون للتحول الرقمي دور مهم في ذلك التطور، غير أن إستراتيجية تنمية القطاع وإعادة هيكلته ورفع مساهمته في الاقتصاد، ودعم القيادة للعمل الخيري عموما، حقق كفاءته وزاد من فاعليته وعزز مشاركة الجميع في الأعمال الإنسانية.
ومن المهم الإشارة إلى الحوكمة العالية التي تتمتع بها المنصة وبنيتها الرقمية وتعدد الجهات الإشرافية المسؤولة عنها، والمكونة من 12 جهة حكومية، ومتابعة من قبل لجنة شرعية، ما يعزز الجانب الأمني والشرعي والرقابي فيها، ويضمن إيصال المساهمات مستحقيها فورا، وبعدالة وشفافية مطلقة.
أصبح تنظيم الحملات الوطنية الإنسانية أكثر سهولة وموثوقية وشمولية من حيث المشاركة المجتمعية التي باتت متاحة من خلال التطبيقات الذكية، ولعلي أشير إلى الحملة الوطنية للعمل الخيري في عامها الثاني، والتي دشنها خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد بتبرعين سخيين بلغا 50 مليون ريال.
في غضون ثلاث ساعات فقط، تلقت الحملة تبرعات مالية تجاوزت 262 مليون ريال، أي بزيادة 50 مليون ريال عن حملة التبرعات الأولى التي أطلقت في رمضان الماضي، ثم تلتها تبرعات سخية من المواطنين والقطاع الخاص، ما يؤكد إنسانية المجتمع السعودي، ورغبة أفراده ومؤسساته بالمساهمة في أعمال الخير متى تنظمت عملياتها واستكملت تشريعاتها، وضبطت مدخلاتها ومخرجاتها المالية.
لم يكن مفاجئا الإقبال الواسع الذي حظيت به الحملة من المتبرعين خلال ساعات انطلاقتها الأولى، فالقدوة الحسنة التي تمثلها القيادة في دعم الأعمال الإنسانية وتقديم المساهمات السخية، والإدارة الحصيفة، والوازع الديني والإنساني وحب الخير الذي يتصف به المجتمع السعودي يضمن، بعد توفيق الله، نجاح الحملات الوطنية الخيرية، حتى أصبحت المملكة نموذجا عالميا مشرفا في مساهماتها الإنسانية.
كما ساهمت البنية الرقمية عموما، ومنصة إحسان في تعزيز العمل الخيري وضمان شموليته، في جانبي المساهمين والمستحقين، حتى بات نشر الحالات الإنسانية الموثقة في منصة إحسان عبر مواقع التواصل الاجتماعي من أعمال الخير التي تنتهي دوما بإغلاق الحالات في فترات زمنية قصيرة، ما يبعث على الفرح والفخر بمجتمع يسوده التكافل وتحفه الرحمة وتعطره الإنسانية.
النجاح الكبير الذي نشهده اليوم في العمل الإنساني، ومنصة إحسان، وبرامج التكافل المجتمعي عموما، هي نتاج تطوير القطاع غير الربحي وتمكين العمل الإنساني الذي يقوده سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وفق أهداف رؤية 2030 التي أعادت، بعد توفيق الله، هيكلة القطاع غير الربحي وفق رؤية تنموية شاملة.