توفي رحمه الله مساء يوم الأربعاء 27 - 8 - 1443هـ، وأديت صلاة الميت عليه في جامع الجوهرة البابطين بشمال الرياض عصر يوم الخميس 28 - 8 - 1443هـ، ثم حمل جثمانه إلى محافظة حريملاء ووُورِيَ في مقبرة «صفية» - رحمه المولى -:
وأحسن الحالات حال أمرئ
تطيبُ بعد الموت أخبارهُ
يفنى ويبقى ذكره بعدهُ
إذا خلت من شخصه دارهُ
جُبِلَت النَّفُوسُ مَيَّلاً وحُباً واحترامًا لمن يتحلى بالصفات الحميدة وطيب المعشر، والإعراض عن مساوئ البشر والتحبب للناس، وتلك هي مفاتيح القلوب التي تُشرق في شِعاب النفوس وتُلْبٍسها هُدُوءاً واطْمِئْنَانًا؛ كحال الأخ الحبيب محمد بن علي بن سعد الحسينان في تعامله مع جيرانه ومعارفه، الذي أطل على الدنيا مًولوداً عام 1355هـ..، وفقد والدته قبل أن يبلغ الثالثة من عمره؛ فعاش مع والده وزوجته طرفة بنت ناصر العمار، ثم توفي والده قبل أن يبلغ الخامسة من عمره، وترعرع متنقلاً بين أخواله وأعمامه، وفي بيت معالي الشيخ عبدالله بن عمار حيث لازمه في كثير من سفرياته الداخلية، ثم خدمته لعمه حسن الحسينان خلال وجوده بمكة المكرمة في الإشراف على تجهيز مخيمات الحجاج، وحين بلغ العشرين من عمره تزوج واستقل بنفسه رحمه الله.
وقد بدأ تعليمه في إحدى الكتّاب بحريملاء لتعلم الكتابة والقراءة وحفظ عدد من أجزاء القرآن الكريم على يد الشيخ الفاضل المقرئ محمد بن عبدالله الحرقان، ثم انتقل إلى الرياض وواصل دراسته النظامية في المدرسة التذكارية الابتدائية بداية الستينات الهجرية، وواصل تعليمه بكل جد ونشاط وحيوية حتى تخرج من المعهد العلمي والتحق بكلية الشريعة لمدة عام، حيث جَاءَتْهُ فرصة وظيفية بشرط تعلم لغة برايل المستخدمة للمكفوفين، فالتحق بمعهد النور وحصل على شهادة دبلوم برايل، وعُين مديراً لمعهد النور بمكة المكرمة لمدة عشر سنوات، حيث بقي ذكره محبوباً وطرياً في نفوس تلامذته مدى الأيام..، لإخلاصه وتوجيه الأبوي وأخذهم إلى بر الأمان، ونصحه لهم للتحلي بالصفات الحميدة، وربما يمنح البعض منهم شيء من المادة ليستعينوا بها لمواصلة دراستهم. ثم انتقل إلى الرياض للعمل بوزارة المعارف في قسم المشاريع والمباني المدرسية، وبعد حياة عملية مديدة في العمل الحكومي، والتي امْتَدَتْ 40 عاماً أَخْلَدَ للراحة مُتقاعداً عام 1415هـ حميدة أيامه ولياليه، وعاد به الحنين إلى مسقط رأسه حريملاء واستقر بها بقية حياته. وأذكر جيداً أنه قد اتصل بي مفيداً بأن معالي وزير المعارف - سابقاً - الدكتور عبدالعزيز بن محمد الخويطر قد اعتمد بناء المدرسة الثانوية على الشارع العام بالحي الجديد في محافظة حريملاء، التي طلبنا بنائها للتخلص من المبنى المستأجر؛ حيث كنت مديراً لها مع المرحلة المتوسطة، وهذا لا يستغرب على معالي الوزير تغمد الله الجميع بواسع رحمته ومغفرته. كما أن الأخ الفقيد محمد الحسينان «أبو علي» كان مخلصاً في أداء أعماله محبوباً لدى رؤسائه وزملائه..، وهذا لا يستغرب على أمثاله حيث تربى في بيئة صالحة لها بالغ الأثر في حسن مساره في الحياة وبتواضعه الجم، وفي أعماله المشرفة طيلة حياته العملية:
وإنما المرء حديث بعده
فكن حديثًا حسنًا لمن وعى
حيث وُصٍفَ - رحمه الله - بصلة الرحم والتواصل مع الأقارب والأصحاب، والبذل السخي في أوجه الخير للأيتام والأرامل وذوي الاحتياجات الخاصة..، كما سعد ببناء عدد من المساجد مع بناء مساكن للأئمة والمؤذنين: منها مسجد على الشارع العام بمحافظة حريملاء وآخر بالحي الشمالي، وغير ذلك من المواقع – أجزل الله له الأجر والمثوبة – وكأني به يَرُدُ على من يستكثر إنفاقه وبذله السخي بهذا البيت:
يفنى الذي تركوه من ذخائرهم
وما تركنا على الأيام مُدّخر
وسيٌدخر له بحول الله وفضله، كما لا ننسى ذكريات الطفولة والصِّبَا الجميلة مع أخيه ناصر ومعه ومع أقراننا، وما زالت باقية في شعاب النفس مدى العمر متمنين رجوعها، ولكن هيهات عودها:
مَا أحْسَنَ الأيّامَ، إِلاَّ أنّهَا
يا صاحِبيّ، إذا مَضَتْ لمْ تَرْجِعِ
وقد عاش وحيداً حيث سبقه أخوه إلى مضاجع الراحلين مُبكراً، ولم يرزق ذريةً والتي هي من زينة الحياة الدنيا والسعادة بها:
حناناً لكَ فيما طويت جوانحاً
وعطفي عليك يا وحيدُ ورحمتي
تغمد الله الفقيد بواسع رحمته والهم أسرة آل حسينان وأسرة آل عمار ومحبيه الصبر والسلوان.
** **
- عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف