ثقافة السلام هي مجموعة من القيم والمواقف والتقاليد والعادات وأنماط السلوك وأساليب الحياة، بحيث تجسد في مجموعها تعبيراً إلى احترام الحياة واحترام البشر وحقوقهم مع رفض العنف بكل أشكاله، والاعتراف بحق كل فرد في حرية التعبير والإعراب عن الرأي والحصول على المعلومات والتمسك بمبادئ الحرية والعدالة والتنمية للجميع والتسامح والتضامن والتعددية وقبول الاختلافات والتفاهم بين الأمم وبين الفئات العرقية والدينية والثقافية وغيرها من الفئات.
ترتكز ثقافة السلام على قيم عالمية منها احترام الحياة الفردية، لأن حياة الناس وحرياتهم، ومفهوم العدالة والتماسك والتسامح وحقوق الإنسان كلها مفاهيم متنوعة، تختلف بين أمة وأمة، بين شعب وشعب آخر، بل بين قبيلة وأخرى، ولعل هذه التوجه في استخدام مفاهيم فضفاضة هو فرض المفهوم الغربي أو الاتجاه نحو عولمته.
تبدأ قصة السلام في الأديان السماوية مع إشراق فجر هذه الأديان على الأرض، أما في الإسلام فهي قضية أصيلة عميقة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بنظرة هذا الدين الواعية والشاملة للإنسان والحياة والكون. يعتبر السلام من الأهداف الرئيسية في الإسلام. والسلام مبدأ من المبادئ التي عمق الإسلام جذورها في نفوس المسلمين، فأصبحت جزءاً من كيانهم وعقيدة من عقائدهم.
ومن أهم معززات ثقافة السلام، وهو قيمة عليا نالت منزلة خاصة في رسالة الإسلام، وتميزت بخصائص متعددة تكفل فعاليته، وتجسدت تجسيداً حيوياً غير مسبوق في العهد النبوي بما كان له أثره المباشر وغير المباشر في إشاعة معاني السلم على المستوى العالمي.
إن رسالة الإسلام رسالة رحمة وسلام، وأن تحقيق السلم كان من أهم أهداف تعاليم الإسلام، وهو هدف استراتيجي أكد عليه القرآن الكريم. نلاحظ أن بعض الآيات جاءت مطلقة في بيان أن تغليب المصالحة وحسر دائرة التوتر والشقاق هو دائماً خير، يقول الله تعالى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} (النساء من الآية 128)، يعتبر صلح الحديبية من أكثر الأمثلة وضوحاً في تغليب المسلمين لحالة السلم على الحرب.
تبرز ثقافة السلام المظهر الحضاري لرسالة الإسلام وتعزز من نهجها الإنساني الذي تميزت به، وهذا له دوره في تعزيز السلم العالمي، بل كانت هذه القيمة هي الأكثر شهوداً وتأثيراً في العالم القديم، مما فتح المجال للكثيرين للدخول في دين الإسلام.
إن القيم في رسالة الإسلام وربطها بالفلاح والخسران يعزز تجسيد ثقافة السلام في المجتمع بشكل لم يعهد له مثيل على مستوى البشرية، وهذا يكسبها امتداداً إنسانياً افتقر له القانون الدولي الإنساني الذي أصبح من الناحية التطبيقية شريعة للأقوياء فقط. وعلى الطرف الآخر، يرسم الإسلام الطريق الأمثل للتعايش الإنساني القائم على المحبة والسلام والود والاحترام.
** **
الأستاذ المساعد، قسم اللغة العربية وآدابها - جامعة عالية، كولكاتا- الهند
merajjnu@gmail.com