سلمان بن محمد العُمري
شهر رمضان هو شهر الجود والبر والإحسان، كما أنه شهر الصيام والقيام والذكر والقرآن، والموفق فيه من أعانه الله ويسر له القيام بسائر الأعمال الصالحة والفاضلة، وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حتى ينسلخ، فيأتيه جبريل فيعرض عليه القرآن، فإذا لقيه جبريل كان رسول الله أجود بالخير من الريح المرسلة.
ولقد حث الإسلام على الإنفاق في الخير، ووجوه البر، ورتب على ذلك الثواب العظيم، قال الله جل وعلا: {قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ}.
والصدقات والزكاة ليست مقتصرة على شهر رمضان، بل هي مستحبة في أي وقت توزع، ويجب إخراج الزكاة إذا تم الحول على المال ولا ينتظر رمضان إلا إذا كان رمضان قريباً مثل أن يكون حلول الزكاة في شعبان، وفي المقابل هناك من يعجل بزكاته قبل حلولها ليدفعها في رمضان وفي عشر ذي الحجة، فمن أنفق في ذلك فله أجر أكبر، لأن الحسنات تضاعف في الزمان والمكان، والإنفاق في سبيل الخير له طرق متعددة ومجالات واسعة لا تقف عند نوع معين؛ فالأبواب متنوعة وأفضالها كثيرة في الدنيا والآخرة؛ فالمتصدق يعيش يوم القيامة تحت ظل صدقته إلى أن يقضى بين الناس، كما في الحديث «كل امرئ تحت ظل صدقته حتى يفصل بين الناس». ومن فوائدها أن المتصدق يدعى يوم القيامة من باب الصدقة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم ينفق من كل مال له زوجين في سبيل الله إلا دعي في الجنة، يا عبدالله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان». ومن فوائدها أيضاً انشراح الصدر، وطيب النفس، وتيسير الأمور، قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}. ومن فوائدها الدنيوية أن الله يخلف على المنفق خيراً مما أنفق؛ يقول - صلى الله عليه وسلم -: «ما من يوم يصبح الناس فيه إلا وملكان يناديان، ويقول أحدهما: اللهم أعط كل منفق خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً»، والحديث الآخر «ما نقص مالٌ من صدقة». وأفضل الصدقات الجارية التي تمتد بعد موت المتصدق فلا ينقطع أجرها؛ جاء في الحديث: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له».
فهنيئاً لكم يا فاعلي الخير، ويا أيها المتصدقون، ويا أيها المنفقون، وهنيئاً لمن يعينكم على ذلك من أهل الخير ممن يعملون في المؤسسات والجهات الخيرية؛ فالدال على الخير كفاعله. وعليكم أيها الباذلون أن تعلموا أن هذا العمل المبارك يتطلب أن يكون الباحث عن الصدقة والإحسان ابتغاء وجه الله، وأن لا يريد الإنسان بصدقته لا سمعة ولا رياء ولا ثناء الناس ومديحهم. وعليكم أن تختاروا لصدقتكم المال الطيب الخالي من المحرمات؛ فإن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً، وألا تُتبعوا صدقاتكم منّاً ولا أذى، وألا يكون المتصدق مانّاً ولا متعالياً، وأن تحرصوا على ذي القرابة فهم أولى بالبر والإحسان والمعروف. إن مما يسر الله على الناس في هذا الوقت سهولة الدفع للمنصات الخيرية إلكترونياً. كما أنه يجب الحذر ممن يدعون الحاجة وألا تُدفع الزكاة إلا لمستحقيها؛ فيجب أيضاً الحذر من أهل النصب والاحتيال في بعض مواقع التواصل الذين يتظاهرون ويتخفون خلف مسميات بعض المنصات الخيرية وهي لا تمت لهم بصلة، وهي من طبيعة التحايل والنصب التي لجأ لها بعض ضعاف النفوس.