الأعمال بالخواتيم، فمن خُتم له بخير فهو على خير وإلى خير، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ العَبْدَ لَيَعْمَلُ، فِيمَا يَرَى النَّاسُ، عَمَلَ أَهْلِ الجَنَّةِ وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَيَعْمَلُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ، عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا». رواه البخاري (6128) فلا يغترُّ مغترٌّ بعمله، وليكثر من الدعاء بالثبات على الدين، فإنَّ العبد بين خوفٍ ورجاء، فمهما عمل من الصالحات فإنَّه يرى نفسه مقصِّراً، ولا يأمن تقلب القلب، قال السعدي رحمه الله: «العبد لا ينبغي له أن يكون آمناً على ما معه من الإيمان، بل لا يزال خائفاً وجلاً أن يُبتلى ببليَّة تسلب ما معه من الإيمان، وأن لا يزال داعياً بقوله: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) وأن يعمل ويسعى في كل سبب يخلصه من الشر عند وقوع الفتن، فإنَّ العبد -ولو بلغت به الحال ما بلغت- فليس على يقين من السلامة». (تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 298).
ومن علامات سعادة العبد أن يُختم له بخير، بأن تُقبض روحه على عملٍ صالح، أو بأن يظهر عليه علامات تدل على خاتمةٍ حسنة، ومن أسباب حسن الخاتمة:
كثرة الاستغفار والتوبة، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (التحريم: 8) وقال النبي صلى الله عليه وسلم «وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً». رواه البخاري (5948).
ومن أسباب حسن الخاتمة: حسن الظن بالله تعالى، وعدم القنوط من رحمته سبحانه وتعالى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ». رواه مسلم (2877).
ومن أسباب حسن الخاتمة: الاستقامة على الدين، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} (فصلت: 30) قال زيد بن أسلم رحمه الله: «يُبَشِّرُونَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ، وَفِي قَبْرِهِ، وَحِينَ يُبْعَثُ». (تفسير ابن كثير ت سلامة (7/ 177) أسأل الله أن يجعلني وإياكم ووالدينا ممن تُبشِّرهم الملائكة بالجنة.
ومن أسباب حسن الخاتمة: التقوى قال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (الذاريات: 15 - 19).
ومن أسباب حسن الخاتمة: الصدق، فإنَّه يهدي إلى البر وإنَّ البر يهدي إلى الجنة، وقد ينال درجة الصدِّيقية وهي درجة رفيعة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى البِرِّ، وَإِنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا، وَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا». رواه البخاري (6094) ومسلم (2607).
ومن أسباب حسن الخاتمة: الدعاء بحسن الخاتمة والإلحاح في ذلك، يدعو بجوامع الكلم «اللَّهُمَّ أَحْسِنْ عَاقبَتَنَا فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا، وَأَجِرْنَا مِنْ خِزْيِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْآخِرَةِ».
ومن علامات حسن الخاتمة: أن يكون آخر الكلام من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ». رواه أبو داود (3116) بسند صحيح.
ومن علامات حسن الخاتمة: الموت بعرق الجبين، دَخَلَ بُرَيْدَةُ الْأَسْلَمِيُّ رضي الله عنه عَلَى رَجُلٍ بِخُرَاسَانَ، وَهُوَ فِي الْمَوْتِ، فَإِذَا جَبِينُهُ يَرْشَحُ فَقَالَ بُرَيْدَةُ: اللَّهُ أَكْبَرُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَمُوتُ بِعَرَقِ الْجَبِينِ». رواه الإمام أحمد (22964) بسند صحيح.
ومن علامات حسن الخاتمة: الموت على عمل صالح، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ». رواه مسلم (2878). وفي الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ صَامَ يَوْمًا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ خُتِمَ لَهُ بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ خُتِمَ لَهُ بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ». (23324)
وممن خُتم لهم بخير: عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: فإنَّه لما احتُضر طلب ممن عنده أن يخرجوا، فخرجوا وجلس مسلمة بن عبدالملك وأخته فاطمة زوجة عمر بالباب فسمعوه يقول: مرحبا بهذه الوجوه، ليست بوجوه إنس ولا جانٍّ ثم تلا {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (القصص: 83) ثم هدأ الصوت فدخلوا فوجدوه قد قبض. (ينظر سير أعلام النبلاء ط الرسالة (5/ 142). وعروة بن الزبير رحمه الله مات صائماً. ومات حماد بن سلمة رحمه الله في الصلاة في المسجد، وسلمة بن دينار رحمه الله مات وهو ساجد، والإمام ابن تيمية رحمه الله مات بعدما قرأ قوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} (القمر: 54، 55) (ينظر شذرات الذهب في أخبار من ذهب (8/ 150).
وكذلك فإنَّ من الصالحين المعاصرين من ظهرت عليهم علامات حسن الخاتمة عند موتهم، فمنهم من مات وهو يصلي، ومنهم وهو يطوف بالبيت الحرام، ومنهم وهو ساجد، ومنهم من مات على عمل صالح، اللهم إنا نسألك حسن الخاتمة.
ومن السنة عدم التأخر في دفن الميت، والإسراع بالجنازة من غير مشقة ولا حصول مفسدة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَسْرِعُوا بِالْجَنَازَةِ، فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَرَّبْتُمُوهَا إِلَى الْخَيْرِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ ذَلِكَ كَانَ شَرًّا تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ». رواه البخاري (1252). ومسلم (944). قال القرطبي: مقصود الحديث أن لا يتباطأ بالميت عن الدفن، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «يستحب الإسراع لكن بحيث لا ينتهي إلى شدة يخاف معها حدوث مفسدة بالميت أو مشقة على الحامل أو المشيع». (فتح الباري لابن حجر (3/ 184). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا وُضِعَتِ الْجِنَازَةُ، وَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ، فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ: قَدِّمُونِي، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ: يَا وَيْلَهَا، أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا، يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شيء إلا الإنسان، ولو سمعه صعق) رواه البخاري (1251).