هل علينا شهر الخيرات والطاعات، شهر رمضان المبارك، فشهر رمضان هو الشهر الذي ترفع فيه الدرجات وتقال فيه العثرات ويستجاب فيه للدعوات، نعم إنه سيد الشهور وأفضلها
كان عليه الصلاة والسلام، يبشر أصحابه برمضان ويقول: «جاءكم شهر رمضان، شهرٌ مباركٌ، شهرٌ تُحطُّ فيه الخطايا، ويُجاب فيه الدعاء، فأروا الله من أنفسكم خيرًا، فإنَّ الشَّقي مَن حُرم رحمة الله».
شهر رمضان شهر العطاء والبر، شهر الجود والكرم، ففي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان النبي -صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، وكان جبريل يلقاه كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة».
في هذا الشهر الفضيل فتح الله عز وجل فيه أبواباً متعددة من الطاعات التي تتجلى من خلالها وحدة وجسد الأمة الإسلامية، وتتجلى معاني وروح التكامل والتكافل الاجتماعي أوسع أبواب العطاء، فقد وجه فقال عليه الصلاة والسلام: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى». رواه مسلم.
حيث أسس الإسلام في النفوس تقوية ومفهوم التعاون والترابط بين أفراد المجتمع والأمة المسلمة بالعلاقة الأخوية القوية فيما بينهم، المستوحاة من قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}.
وبما تقتضيه الإخوة من الإيثار، قال عليه الصلاة والسلام «لا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه». رواه البخاري.
حيث وضع الإسلام نظاماً للتكافل بعضها فرائض وأركان، وبعضها واجبات، ومن الأمثلة فريضة الزكاة ونظام النفقات، وتشريعات الميراث، ومنها صلة الأرحام والنذر والكفارات.
ولا يقتصر التكافل على تقديم الصدقات بل يشمل بناء وتنمية المجتمع، والإغناء عن ذل السؤال، حيث قال أبي بكر الصديق خليفة رسول الله إن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال «إذا أعطيتم فاغنوا».
ولا يكتفي ذلك ويقف عن سد الحاجات المادية والمالية بين الناس، بل يتجاوز ذلك ليكون نظاما لتربية الروح والنفس والسلوك الاجتماعي في الأسرة وبين المجتمع.
ومن هذا المنطلق فإن مدلولات البر والإحسان والصدقة تتضاءل أمام مبدأ التكامل الاجتماعي ومن أكبر الأمثلة على ذلك كفالة الأيتام.
شُرع التكامل في الإسلام لتحقيق الرخاء في المجتمع بتكاتف كل الإمكانات والجهود المالية والبشرية، بتيسير هذه الجهود وتنميتها وتحقيقها بين أفراد المجتمع.
ولهذا أقامت الدولة نظاما يكفل إيصال هذه التبرعات والزكاة لمستحقيها، بإقامة منظومة نظام إحسان، ومنصته التي تعمل في كافة القطاعات وفي مختلف مناطق المملكة وفي عديد من المجالات بما فيها الإسكان والتعليم والصحة والمجالات الاجتماعية، إضافة إلى مجال التنمية والرعاية، والتي تهدف إلى تعزيز مبدأ التكامل والقيم بين كافة أفراد المجتمع، وهنالك الكثير من الجهات الرسمية منها على سبيل المثال، رابطة العالم الإسلامي وما تقدمة من خدمات إغاثية واجتماعية وتنموية في معظم دول ومناطق العالم، بتقديم جميع أوجه المساعدة إلى المسلمين من أجل حل المشاكل التي يواجهونها وتقديم الدعم لهم.
جزى الله حكومتنا الرشيدة الساعية دوماً إلى المناداة بالتكاتف والترابط بين أفراد المجتمع والأمة الإسلامية، لما يكفل لهم العيش في ظل الدين الحنيف.
وتمثل الدعم من حكومة مولاي خادم الحرمين الشريفين وولي عهده حفظهما الله في تشكيل اللجنة الوطنية لرعاية السجناء والمفرج عنهم وأسرهم في لجنة «تراحم»، حيث تعتمد تراحم في برامجها على المبادرات والشراكات مع القطاع الحكومي والخاص ومؤسسات المجتمع المدني لما يكفل تقوية أواصر التكامل والتكافل بين أفراد المجتمع الواحد.
والأمثلة والبرامج واللجان والجهات كانت حكومية أو غيرها والتي لا تهدف إلى الربحية، كثيرة ومتنوعة في دولتنا الغالية التي تسعى دوما لمد يد العون ولشد وتقوية تماسك أفراد المجتمع فيما بينهم.
وفق المولى حكومتنا بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده سمو الأمير محمد بن سلمان حفظهما الله، وبهذه المناسبة الرمضانية، أسأل المولى عز وجل أن يعيده عليهما وهما بصحة وعافية.
وأنت أخي الكريم الصائم أدعوك في شهر الخير والعطاء والبر والإحسان أن تغتنم هذا الشهر الذي تتضاعف فيه الأعمال إلى المبادرة والمشاركة بتقديم ما تجود به النفس، لتلقى ما تقدم من عطاء عند مليك مقتدر.
{وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا}.