د. محمد بن إبراهيم الملحم
من المهم الحديث عن بعض الكتابات البحثية حول التعليم المنزلي لنأخذ فكرة عن مدى قوة وجودة هذا النوع من التعليم من خلال ما يقوله الباحثون المطلعون على البيانات، وكما يقال فإن البيانات لا تكذب، الدكتورة كارا قودوين Cara Goodwin مختصة في علم النفس الإكلينيكي للأطفال واهتمامها العملي هو «مترجمة علمية للوالدين» وهي مهمة من خلالها تقوم بإعادة تقديم المعلومات العلمية بطريقة مناسبة لمستوى تفكير الوالدين لمساعدتهم على إيصالها لأبنائهم، وهي تقول في مقالتها العلمية لدورية علم النفس اليوم Psychology Today عن التعليم المنزلي أنه انتشر كثيرا خلال السنوات الأخيرة ففي الولايات المتحدة الأمريكية عام 2021 هناك ما بين 4-5 ملايين طالب وطالبة وهو ما يعادل 8-9 بالمائة من إجمالي الطلاب الذين في عمر المدرسة، ونشرت د. كارا مقالتها لتجيب عن السؤال التالي: هل وجد البحث العلمي أية فروقات بين الطلاب الذين درسوا من خلال التعليم المنزلي وأولئك الذين درسوا بالمدارس؟ وللإجابة عن ذلك راجعت عدداً من الأبحاث الحديثة المتعلقة بهذا الأمر ووجدت إنه من الناحية الأكاديمية فإن طلاب التعليم المنزلي كان أداؤهم أفضل من طلاب المدارس في اختبارات الأداء الأكاديمي القياسية (مثل اختبار قدرات لدينا)، ولكنها تشير إلى أن هذه النتائج ينقصها ضبط المتغيِّرات بالنسبة لنوعية الآباء ومتغيِّراتهم الأخرى وهي عوامل نوعية مهمة، ولكنها في نفس الوقت تؤكّد أن هناك نتائج واضحة نحو تفوق ملموس وواضح لطلاب التعليم المنزلي الذين درسوا مناهج منظمة structured curriculum ودروس مخططة planned lessons حيث تفوقوا على طلاب المدارس بينما طلاب التعليم المنزلي الذين لم يدرسوا بمناهج منظمة أو دروس مخططة كان أداؤهم أقل من أقرانهم من طلاب المدارس، ولأوضح هذه النقطة فأشير إلى هاتين الممارستين موجودتان في أمريكا وعدد من الدول، حيث لا يتم إلزام الوالدين بنفس كتاب المقرر المدرسي وإنما هم يقومون بتدريس الموضوعات المطلوبة لتلك السنة الدراسية كما يشاؤون (مثلاً ربما يتقدم موضوع على آخر خلافاً لما يدرسه طلاب المدرسة) وهذه المرونة هي لإتاحة مساحة حرية للطالب لكي يدرس بصورة أكثر ملاءمة لظروفه النفسية والاجتماعية والتي بناءً عليها اختار له والداه الدراسة المنزلية، بل ربما كان تغيير ترتيب الموضوعات خيارًا شخصيًا للوالدين اللذين يدرسان الطالب بهدف تسهيل فهم الموضوعت، ولا يتوقف الأمر عند ترتيب الموضوعات، بل ربما يضيف الوالدان موضوعات جديدة ليست من نفس سنة الطالب الدراسية وربما تم تأخير موضوعات إلى سنة قادمة وهكذا. وهناك طائفة من الوالدين يميلون إلى استخدام نفس الكتب المقررة للمدرسة وهؤلاء لوحظ تفوق أولادهم.
وتشير د. كارا إلى أن هذه النتائج لا يجب أن يستنتج منها أن الدراسة بالتعليم المنزلي هي «وحدها» كافية لتفوق الطالب، بل لا بد من أن يُؤخذ مستوى تعليم الوالدين الذين يقدمون التدريس للطالب في الاعتبار فكلما كان مستواهم العلمي عالياً ولديهم تمكن من التدريس تحققت نظرية تفوق التعليم المنزلي على المدرسة، وبدون شك فإن هذا المتغير مهم جداً، وعندما أقدم هذه السلسلة حول التعليم المنزلي فإني لا أحث كل أحد على تطبيق التعليم المنزلي كوسيلة متفردة للحصول على طالب متفوّق، بل إني أوجهها للأسرة التي توفرت لديها عدة عوامل: أولها تمكن الوالدين أو أحدهما من أهم المعارف والمهارات العلمية المتطلبة لتدريس موضوعات المدرسة ومهاراتها لأبنائهم، والثاني توفر الفراغ الكافي والمتزامن مع وقت الطفل الدراسي صباحاً وبالتالي فهذا الخيار ليس متاحاً للأب الموظف والأم الموظفة معاً، كما أنه في الجهة الأخرى يكون أكثر إنتاجيةً ووضوحًا في الكسب لدى الطالب المتوسط أو أعلى من متوسط في قدراته الذهنية والمعرفية، حيث عندئذ تظهر ملامح فائدة التعليم المنزلي بشكل حاد وواضح، خاصة فيما يتعلق بتكوين العالِم أو دعنا نقول «الشخص المتفوق» ومع أن الطالب الأقل من متوسط سيستفيد من التعليم المنزلي أكثر مما سيتعلمه من خلال المدرسة، إلا أن الأثر في الفئة العليا من الطلاب أكثر وضوحًا فيما تدعو إليه المقالة. وللحديث بقية.
** **
- مدير عام تعليم سابقاً