مها محمد الشريف
كشفت لنا الأزمة الأوكرانية العالم الذي نعيش فيه بصورة أكثر وضوحاً حيث ظهرت تناقضات غريبة في مواقف الدول الغربية، لم تكن بذات الحجم والمستوى مع قضايا وأزمات مشابهة، فالواجهة العامة للعالم اليوم هي الأحداث السياسية والاقتصادية، حيث لا يوجد ما هو استثنائي سوى استقرار الجهود اللازمة لجعلها واقعاً، إنه ظرف عالمي يتشارك فيه الجميع وبسبل مختلفة تثير سؤالاً عميقاً: أين إنسان اليوم من سياق الانعطاف في السياسة والآثار الاقتصادية والاجتماعية في العالم؟ والمسارات التي ينتهجها الغرب وتعاطيهم مع القضايا الدولية بازدواجية ويتعاملون فقط من خلال مصالحهم الضيقة ولا يعنيهم استقرار العالم، وإعلام يتفانى في تشكيل الواقع حسب رؤيته الخاصة.
فما أشبه اليوم بالأمس بمراحله المتعددة وتزايد الوعود المتناقضة فبعد الحرب الباردة بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية عُزِل الشرق الأوسط فيها عن الواردات الصناعية القادمة من أوروبا، وأخذت تتسع يوماً بعد يوم بعد أن منعت حرب الغواصات في البحر الأبيض المتوسط مرور السفن المدنية، فكلما تعاظم النفوذ الغربي في العالم أصبحت منطقة الشرق الأوسط هدفاً رئيسياً للسياسة الخارجية.
فإذا سلمنا جدلاً أن الزمن الحديث بات مكشوفاً بمعنى أصبح تقنياً عالمياً يستحث الوعي ويجدد قناعاته ونظرياته، ويساهم في تقارب أضداد كثيرة، بلغت ذروتها في التاريخ المنصرم، وأيضاً في التاريخ المعاصر، ولكن تجد في كل مكان أزمة سياسية تقود إلى أزمات اقتصادية واجتماعية كبرى، أبعد من كل الأحكام المسبقة والصور النمطية والتقسيمات السياسية، وبالتالي تربط بين كل الأزمات في الشرق والغرب بعلاقة معقدة وتداخل كبير بينها.
وكل هذه الاختلاطات كانت نتيجة ضراوة الأحداث، وصلافة القوى، وهي خير شاهد على أزمات الدول المنكوبة بداية من السودان وبلدان الهلال الخصيب، وأضف لهم ليبيا، بزرع فوضى دموية فاقمت من مشاكل المنطقة وأدت إلى تعارض كبير، حوّلها إلى السلب دون أن تكف عن الاستمرار حتى اكتملت التمزقات التي سببتها الحروب.
وهكذا، تفرعت أسس مبنية على الإشكال الدائم، وطرق مؤدية في النهاية إلى اتجاه واحد يحكم العالم، مهما اختلف عليه الآراء، وتعارضت معه المصالح، فهذا الإنسان الذي يؤمن بتعدد الثقافات المختلفة يشاهد اليوم الانقسامات العميقة، تستنزف قدراته وقناعاته ومفاهيمه مما حل به وببلاده من دمار وخراب وتدخلات وتهديدات.
لقد أصبحت وسائل الإعلام اليوم تنقل الكوارث كوجبة غذاء أساسية للمجتمعات بشكل كبير بعد الأزمة الأوكرانية، بل أصبح مادة لمجادلات لا تنتهي، فكل الأحداث تخبر أن الصراعات السياسية تنعكس سلباً على إنسان اليوم وعواملها كثيرة، فكل شيء بدأ متناقضاً غارقاً في تقلبات حادة لها تبعات خطيرة جداً اجتماعية واقتصادية وسياسية، فكل ما وقع من أزمات يفسرها اتساع أطراف إمبراطوريات الشرق وحركتها المتواصلة في اتجاه تقدم متسارع، فالملاحظ أن التاريخ لن يعطي وعداً أو يصدر حكماً أو يشرّع شروطاً، ولكنه يحمل إرثاً ثقيلاً لكل الأجيال بما فيه من أخطاء.