عوض مانع القحطاني - «الجزيرة»:
تعود سفر الإفطار في المسجد النبوي التي تعود عليها أهالي المدينة منذ عقود لضيافة الزوار خلال موسم رمضان بقوة، وكما كانت طوال العقود السابقة؛ بعد انقطاع السنتين الماضيتين كان بسبب ظروف جائحة كورونا. وقصة السفر الرمضانية في المسجد النبوي لها تاريخ عريق يعكس ثقافة وموروث أهل المدينة المنورة في ضيافة وفود الرحمن وزائري المصطفى عليه الصلاة والسلام، والتي درجوا عليها منذ عقود، حتى أصبحت علامة فارقة امتازوا بها عن موائد إفطار المسجد النبوي.
«الجزيرة» تروي قصة السفر الرمضانية من البداية والآليات التي اعتمدتها وكالة المسجد النبوي لموسم شهر رمضان الذي يحل بعد أيام مع عودة الأوضاع إلى طبيعتها وفتح المسجد النبوي بكامل طاقته لاستقبال القاصدين.
وإذا ما عقدت العزم على أن تكون أحد زوار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان، فأنت على موعد مع إحدى القصص التي يتباهى بها أهالي المدينة منذ عقود طويلة، والمتمثلة في سفر الصائمين..
ووضعت الرئاسة العامة للحرمين الشريفين وتحت إشراف مباشر من الرئيس العام للمسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس آليات محكمة لتقديم خدمات إفطار الصائمين لشهر رمضان المبارك..
وأكد الشيخ عبدالرحمن السديس أن آليات موائد الإفطار وضعت بعد دراسات معمقة تحقق الهدف المرجو منها وفق ضوابط ومعايير محددة تحافظ على الأجواء التعبدية الصحية الآمنة فضلاً عن تطوير آلية تطوير وجبة الإفطار وطريقة تغليفها وطرق المشاركة في خدمة إفطار الصائمين في المسجد النبوي. وتم وضع آلية توزيع وجبات الإفطار عن طريق تحديد إماكنها بالمصليات وعبر نقاط التوزيع، ولا تستهدف هذه الموائد الأكل بحد ذاته، وإنما إكرام ضيافة زوار مسجد رسول الله، لينالوا الأجر والثواب و»شرف الزمان والمكان». ومن هنا يتسابق المقتدرون على نيل هذا الدور وتوارثه عبر الأجيال ابتغاء للمثوبة والأجر في منظر روحاني جليل. ولإعطاء الصورة الكاملة لآليات السفر الرمضانية في المسجد النبوي سرد المستشار ووكيل الرئيس العام للشؤون التنفيذية والميدانية عبدالعزيز الأيوبي تفاصيل الآليات في تصريحات خاصة لـ»الجزيرة»، حيث قال «تنظيم خدمات إفطار الصائمين التي تلزم مقدم الخدمة بالتعاقد مع شركات الإعاشة المعتمدة لتجهيز الوجبات وفق الاشتراطات الصحية, وتحديد عدد الأشخاص على السجادة الواحدة بواقع 12 شخصاً على السجادة الواحدة. ومن ضمن آليات السفر جلوس الصائمين على جهة واحدة من السفرة باتجاه القبلة فقط».
وكانت سفر الصائمين في المسجد النبوي الشريف خلال شهر رمضان قد توقفت العامين الماضيين بسبب تداعيات جائحة كورونا.
وحول أهداف التنظيم قال الأيوبي إن الهدف الرئيسي هو أن يتم تنظيم إفطار الصائمين ليكون أنموذجًا يحتذى به من حيث التنظيم والسلامة، وتعزيز المشاركة المجتمعية والتواصل المؤسسي بين جهاز وكالة المسجد النبوي وأفراد ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص، وإعداد الناشئة على حب الخدمة في المسجد النبوي، وإبراز المظهر اللائق والحفاظ على روحانية المسجد النبوي، وتحقيق رضى المستفيد.. وتابع قائلاً: للوصول لهذه الآلية تم عقد العديد من حلقات العمل وتحديد شركات الإعاشة المصرح لها (بإعداد الوجبات) بعد توقيع وثيقة الالتزام مع وكالة الرئاسة. إلى جانب تحديث بيانات مقدمي الخدمة وتوقع ميثاق الالتزام بالضوابط مع تحديد (موقع السفرة وعدد الوجبات) وتعاقد مقدم الخدمة مع شركة الإعاشة حسب موقع السفرة (حضوريًا أو رقميًا) فضلاً عن إصدار التصريح لمقدم الخدمة..
وحول آليات التقديم، أوضح الأيوبي أن شركة الإعاشة هي المعنية بإحضار (وجبات الإفطار والسفر) لموقع السفرة لمقدم الخدمة المتعاقدة معه بحسب الاتفاق. ويقوم مقدم الخدمة بتوزيع الوجبات على سفرة الإفطار ويدعو الصائمين. ويمكن إحضار القهوة أو الشاي بحسب الرغبة، كما يقوم مقدم الخدمة برفع السفرة بعد الإفطار، وتسهم جمعية حفظ النعمة في أخذ الزوائد من الأكل الفائض.
.. ولم تكتف الوكالة بذلك؛ بل وضعت حوكمة واضحة لمتابعة شركات الإعاشة بضوابط وثيقة الالتزام ومقدمي الخدمة بضوابط تعليمات التصريح إلى جانب المتابعة الميدانية ووضع عقوبات بالإنذار أو إلغاء التصريح لغير الملتزمين.. وتتشارك كل من وكالة الرئاسة العامة لشؤون المسجد النبوي ومقدمي خدمات الإفطار المصرح لهم وشركات الإعاشة في هذا العمل وتقديم الخدمات كافة للزوار.
كما أن وكالة المسجد النبوي تعنى بالدور الإشرافي والذي يتركز في وضع التنظيم العام والضوابط واعتماده وتبليغه للجهات المعنية واعتماد نماذج الالتزام والعقود وأي نماذج ترتبط بإجراءات تنظيم إفطار الصائمين إلى جانب الإشراف العام على جميع الجهات والأفراد المشاركين في خدمة إفطار الصائمين وتجديد وتحديث تصاريح مقدمي الخدمة آليًا وربط شركات الإعاشة التي تشارك بمقدمي الخدمة والإشراف الميداني على إجراءات وخطوات تقديم إفطار الصائمين في المسجد النبوي والإشراف على فريق الالتزام وإنذار المخالفين وإلغاء تصاريحهم في حالة مخالفة التعليمات والضوابط. وعن مقدمي خدمات الإفطار المصرح لهم بالعمل أوضح الأيوبي قائلاً: تتمركز مهامهم في تجديد وتحديث بياناتهم وتجديد التصاريح لدى وكالة المسجد النبوي على الرابط الذي سيتم إرساله على جوال مقدمي الخدمة والتعاقد مع شركات الإعاشة المصرح لها التي تقوم بإعداد وجبات الإفطار المعتمدة في المسجد النبوي بعد تجديد وتحديث البيانات وأن يكون التعاقد شهريًا أو على أجزاء بحسب ما يتم الاتفاق عليه بين مقدم الخدمة وشركة الإعاشة بما لا يقل عن عشرة أيام، والتعاقد للعشر الأخرى قبل انتهاء العشر الأولى بخمسة أيام، والقيام بتقديم وجبات الإفطار في الموقع المعتمد أو تفويض جهة مناسبة لتقديمها ورفعها بعد الإفطار دون ترك أي آثار في الموقع. وإن وجد لدى مقدم الخدمة تمويل إضافي أو تمور أو مواد تناسب استخدامها في الخدمة فيمكن تقديمها لشركات الإعاشة المشاركة في خدمة إفطار الصائمين بالمسجد النبوي. ويمكن لمقدم الخدمة بحسب الرغبة بإحضار القهوة والشاي للاستخدام الشخصي أو لإفطار الصائمين في سفرته فقط، ويتم إدخالها من الأبواب المخصصة لذلك وبالعدد المتاح في التصريح.
فيما تحددت مهام شركات الإعاشة المصرح لها بالموافقة على الشروط والتعليمات والضوابط مع وكالة الرئاسة العامة لشؤون المسجد النبوي التعاقد مع مقدمي خدمة الإفطار وتوفير وسائل النقل والتخزين والتقديم المناسبة لاستخدامها في توفير وجبات إفطار الصائمين بالمسجد النبوي وإعداد وجبات إفطار الصائمين وفق الشروط والضوابط المنظمة لإفطار الصائمين، ويكون ذلك بحسب الأعداد المحددة للمواقع المتعاقد عليها فقط وتوفير السفر الخاصة بذلك، وأن يكون عدد الوجبات الإفطار التي يتم توفيرها مناسبًا للحاجة وعدم توزيعها في محيط المسجد النبوي وداخله، والعناية بعدم إحداث تكدس أو تزاحم أو أصوات تخل بروحانية المسجد النبوي وأذية المصلين وحل المشكلات التي قد تنشأ بين أصحاب سفر الإفطار وشركات الإعاشة فيما بينهم دون أي التزام على وكالة الرئاسة. والالتزام بالأعداد والمواقع والأسعار التي تحدد لشركة الإعاشة في تصريحها للمشاركة في الخدمة، وارتداء العاملين المشاركين في نقل وتوزيع الوجبات للزي الموحد الذي توافق عليه وكالة الرئاسة العامة لشؤون المسجد النبوي.
وأكد الأيوبي أنه تم تحديث مواقع السفر وتنظيمها بحسب الطاقة التشغيلية وتنظيم السجاد وتحويله إلى ثلاث صفوف بدلاً من أربعة بين الأعمدة وتحديد عدد الوجبات حسب المساحة لمقدم الخدمة بما يتناسب مع الطاقة التشغيلية.
وللوصول إلى هذه الآلية تم تشكيل فريق مكون من الوكيل المساعد للخدمات والشؤون الميدانية وتحقيق الوقاية البيئية المهندس فوزي بن عبد الهادي الحجيلي، والوكيل المساعد للتفويج والزيارة والحشود محمد بن علي فقيهي، والوكيل المساعد الأمن والسلامة ومواجهة الطواري والأزمات سعود بن مساعد الصاعدي، والوكيل المساعد الشؤون التنفيذية والميدانية النسائية فوزية بنت عاقل السهلي بشكل دؤوب.
وقد استبشر أهالي المدينة بعودة السفر في المسجد النبوي معربين عن سعادتهم بهذا القرار كونهم مشتاقين لها في العامين الماضيين بسبب جائحة كورونا، وقدموا الشكر لحكومة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده على جهودهما المباركة في خدمة المواطن والمقيم بشكل عام وزوار المسجد النبوي بشكل خاص على عودة السفر إلى المسجد النبوي هي بشرى استقبلها أهل المدينة بفرحة غامرة.