د. تنيضب الفايدي
دخل الكاتب مجال التعليم من باب (مكرهٌ أخاك لا بطل)، حيث تخرّج من معاهد المعلمين الثانوية متقدماً على جميع زملائه في دفعته، وفي أولّ يوم من أيام الدراسة جاء حاملاً حقيبته، وأهمّ ما فيها دفتر إعداد الدروس (التحضير)، وقد سبق ذلك استلام جدوله الأسبوعي، وكلف بتدريس (29) حصة في الأسبوع بما في ذلك يوم الخميس آنذاك، وقد أعدّ لكلّ درس تحضيره، وكان ذلك التحضير لا يقلّ عن صفحتين للدرس الواحد، وأتذكّر أن بنود أو أقسام ذلك التحضير لا تقلّ عن صفحتين للدرس الواحد، وأتذكّر أن بنود أو أقسام ذلك التحضير لا تقل عن ثمانية أو تسعة بنود، لا أتذكرها حالياً ولكن أتذكر منها ما يلي:
أولاً: الأهداف أي: أهداف الدرس (الحصة الواحدة) وهذه الأهداف كانت تستغرق نصف الصفحة، منها أهداف معرفية أي: أن يضيف الطالب إلى معلومات سابقة معلومات جديدة أي: إضافة علمية.
- أهداف سلوكية : بمعنى أن يؤدي هذا الدرس أهداف عملية جديدة أو يغير سلوك يحتاج إلى تغيير أو يقوم بعمل بمعنى يتصرف عملياً بأداء هذا العمل، إضافة إلى أهداف مهارية ووجدانية ....إلخ.
ثانياً: المقدمة وهي استثارة الطلاب بما يهيئ عقولهم لاستقبال الموضوع الجديد، إما أسئلة أو قصة ....إلخ .
ثالثاً: العرض أي: الإجراءات العملية التي يتم بها تنفيذ موضوع الدرس بخطوات متتالية بحيث تقدم المعلومة بالتدريج وفق تفاعل الطلاب واستيعابهم لكلّ خطوة.
رابعاً: وسائل الإيضاح أو ما يطلق عليه حالياً (تقنيات التعليم): وهي المواد التعليمية من نماذج أو رسم لوحات ومنها تنظيم استخدام السبورة.
خامساً: التقويم، بمعنى أن توجه أسئلة حول الموضوع أو يقوم الطلاب بالإجراءات العملية إن كان الدرس يتطلب تطبيقاً أو الاستماع إلى صحة القراءة فيما يتعلق بمواد تعليمية معينة.
سادساً: الواجب أي: ماذا يتطلب من الطلاب في الحصة القادمة، وعندما جاءت الحصة الثالثة « الفسحة الكبيرة « وكان المعلمون مجتمعين في صالة كبيرة، منهم من يتناول الشاي، ومنهم من يأكل شطيرة (السّاندوتش)، اطّلع أحد الزملاء على دفتر (تحضيري)، وأصبح ذلك التحضير يدور بين الزملاء، وتوقعت كلمات مناسبة مثل: (ما شاء الله)، (الله يعطيه العافية)، (ممتاز)، ولكن ذلك لم يحدث حيث قال أحدهم: (فاضي) بمعنى عنده فراغ يكتب كما يشاء، وقال آخر: اصبر له، (أي: أنه بعد فترة سيترك هذا التحضير)، وعلّق ثالث قائلاً: (أعطيهم على قدر فلوسهم)، وكانت الرواتب آنذاك تصل إلى خانة المئات فقط، ولا يعرف المعلمون القدامى (خانة الألوف) إلا عند تدريس مادة الحساب! وقد تأثرت بتلك الكلمات، وكما ذكرتُ آنفاً بأن التحضير كان لا يقلّ عن صفحتين، وبدأ يتقلص تحضيري شيئاً فشيئاً، واكتشفت أن كثيراً من زملائي لا يضعون التاريخ ليتمّ استخدام ذلك التحضير عند وصول المسؤول الذي كان يطلق عليه المفتش، ثم أطلق عليه الموجه التربوي، وأخيراً المشرف التربوي، وفي الأعوام الأخيرة لا أدري ماذا يسمى، وقد أصبحتُ بعد عدة سنوات مثلهم تماماً، حيث اختصرت التحضير على ثلاثة بنود فقط لا تتجاوز ثلاثة أسطر (المقدمة - العرض - التطبيق)، وبدون تاريخ .
وَمَا أَنَا إلا مِنْ غَزِيَّة إِنْ غَوَتْ
غَوَيْتُ وَإِنْ تَرْشُدْ غَزِيَّة أَرْشُدِ