جاء عالم الإنترنت والتواصل الإلكتروني الممتد بالشبكة العنكبوتية وأحدث نقلات نوعية وسريعة في جميع جوانب الحياة فتيسرت به الاتصالات ونقل العلوم والمعارف، وتقريباً ألغيت به الحدود الجغرافية والثقافية بين المجتمعات.
ورغم تلك الإيجابيات العظيمة لذلك العالم إلا أن هناك جانباً لا أصفه بالمظلم لأنه واضح وتحت مرأى من الجميع بل ورضا منهم سواء بطريقة مقصودة أو غفلة منهم، ألا وهو التأثير الفكري على الأطفال والمراهقين من خلال برامج البث المباشر أو تطبيقات الجوال الاجتماعية، هذا الأمر قد يتساهل به البعض بحجة (خلهم يستأنسون أو ينشغلون عنا ولا يشغلوننا) أو إلى آخر ما هنالك من الذرائع لتغطية ذلك التقصير معهم.
حيث تعمل الجهات الرقابية بالمملكة مشكورة بجهود كبيرة في ضبط المخالفين خاصةً مخالفات الذوق العام، ورصد التجاوزات الأخلاقية والثقافية، ولكن هناك مخالفات يجب على الأهل رصدها والتصدي لها.. لأنه ومع الأسف نرى سلوكيات لأطفال في سن ما قبل المدرسة وحتى المراهقة تدمي القلب فيما يمارسونه من حركات وأسلوب حديث وألفاظ بل وتحدث في أمور أكبر من مستواهم العقلي والنفسي والخلقي.
ويكون الأمر أشد إيلاماً حين يمرر الوالدان كل ذلك بتباه وسعادة وتأييد!
الأمر ليس بتلك البساطة والتأثير عليهم ليس سهلاً تجاوزه أو غض الطرف عنه.
هذا التأثير متعددة جوانبه فعلى سبيل المثال لا الحصر:
- التأثير الديني وتلوث عقيدتهم بأفكار متطرفة وإيمانيات شركية فتضيع هويتهم ويتشتت توجههم فتتلقفهم المصادر الأقوى تأثيراً عليهم والتي بدأت بشد انتباههم وفق ما يناسب مراحلهم العمرية.
- التأثير الاجتماعي: فهذه المرحلة يسهل تعريضها لغسيل دماغ وإعادة تكوين منظومتهم القيمية فترى تثبيتاً لبعض السلوكيات لديهم بطريقة (الطقطقة والضحك وما نقصد...) فتنتشر لغة التنمر بأنواعه والتفكك الأسري والتمرد على الأسرة والمجتمع بذريعة الحرية الشخصية والمعرفة (الوهمية) بالمصلحة والحق الشخصي المكفول بالاختيار، والكثير الكثير من السلوكيات المقوضة لبناء الأسرة والمجتمع.
- التأثير الثقافي: فتتداخل الثقافات دون فلترة لها ودون ضبط فتفقد المجتمع هويته التي من المفترض الاعتزاز بها والمحافظة عليها بل قد يرى البعض هويته بعين الازدراء والتخلف وهنا تكمن الخطورة فيتبنى ثقافة غيره ويقدسها وينشرها حوله.
- التأثير الفكري: ولنا أن نعتبره قنبلة موقوتة يشمل تأثيرها كل ما سبق، فتتغير اتجاهاتهم وقناعاتهم التي توجه سلوكهم ويتعصبون لها مضادين لأي محاولة لتغييرها، ومن هنا ينشأ التطرف بنوعيه، ولك أن تتخيل خطورتها لو كانت غير ظاهرة إما بطريقة مقصودة أو غير مقصودة بسبب غياب متابعة الوالدين واهتمامهما.
والحديث في هذا المجال يطول ويحتاج لحراك بحثي وتطبيقي للتصدي له وعلاجه وأن يؤمن الجميع بأن التهاون به هو تهاون بالأمن الفكري للأبناء وخطر وشيك على المجتمع.
فليست التربية بإسباغ الماديات على الأبناء وغياب الرقابة بحجة (خلهم ينبسطون ولا تعقدهم...) فالتربية مسؤولية عظيمة وأمانة نحن مسؤولون عنها أمام الله أولاً ثم الوطن الذي ينتظر منا نشأ متين العقيدة والانتماء والولاء له.
** **
- أستاذ علم النفس التربوي