الجزيرة - كتب:
يرصد الدكتور راشد بن محمد العساكر، الباحث والمؤرخ المعروف تاريخ المساجد والأوقاف القديمة في بلد الدرعية إلى عام 1373هـ، ليوثقه توثيقًا دقيقًا، ويقع هذا الكتاب في 632 صفحة من القطع المتوسط، ويتكون من مقدمة وستة فصول إلى جانب الصور والوثائق والمصادر والمراجع، وفهرس الأمكنة والأعلام.
وتناول الدكتور راشد العساكر في الفصل الأول مقدمة في تعريف المسجد وفضله وأهميته، وفي الفصل الثاني تناول إنشاء المساجد وطرق بنائها في بلاد العارض والدرعية قديمًا، ليقدم في الفصل الثالث مقدمة تاريخية عن الدرعية، ليوثق في الفصل الرابع مساجد الدرعية، أما الفصل فخصصه للأوقاف العامة في بلد الدرعية، ليبحث في الفصل السادس الأوقاف الخاصة والوصايا المتعلقة بأوقاف الدرعية.
وقد اكتسب أهميته، وتعالت قيمته بأن تشرف الكتاب ومؤلفه بأن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله، الذي تفضل بكتابة مقدمته، التي قال أيده الله فيها: «بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فإنّ المساجد في الإسلام من معالم الحضارة الإسلامية، فهي بيوت الله وعمارتها ولها فضل كبير في الإسلام لقوله تعالى: (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله)، وقوله صلى الله عليه وسلم: «أحب البلاد إلى الله مساجدها «، ويعدُ المسجد المركز الأول التي انطلقت منه الدعوة الإسلامية في الصدر الأول إلى نواحي المعمورة كافة.. وهذا الكتاب (تاريخ المساجد والأوقاف القديمة في بلد الدرعية إلى عام 1373هـ)، يعني كما هو في عنوانه بمساجد الدرعية وأوقافها الشرعية حتى زمن المؤسس الملك عبد العزيز -رحمه الله- وما بعده من قادة البلاد. واهتم المؤلف بمساجد الدرعية؛ لما لهذه البلدة من أثر كبير على الجزيرة العربية وبلاد الإسلام كافة، واحتضانها الدعوة الإصلاحية في عهد الإمام محمد بن سعود رحمه الله ويتميز هذا الكتاب بتتبع أماكن المساجد وأسمائها وأوقافها عبر مدد زمنية طويلة، بأسلوب المسح الميداني، والاستعانة في تحقيق صحة الأماكن والمساجد والأوقاف بعارفي البلد وأهلها.
ونأمل أن تتحقق من هذا الكتاب الفائدة المرجوة نظرًا لأهميته للدارسين والباحثين في تاريخ المملكة العربية السعودية، وتوفير المصادر التاريخية الموثقة، وربط للأجيال بماضي الآباء والأجداد، والحمد لله رب العالمين وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين».
ويبيّن د.العساكر أهمية الموضوع الذي يتناوله بقوله: «فلما كانت المساجد هي أعظم الأماكن وأقربها إلى الله جل وعلا، فضلاً عن تمثيلها لأساس البناء وتكوينه في المدن والقرى والحواضر السكانية، فقد ارتبطت بالأعمال الخيرية التي يقوم بها أفراد المجتمع، وأسست بذلك موطن الانطلاق والتلاحم لنشر الرسالة الخالدة، كل ذلك وغيره جعلها أداة فاعلة للنمو الحضاري والمعرفي والثقافي، ومدعاة للرقى والفضائل.
وهذا الارتباط المشترك بين المسلم والمسجد كون تاريخًَا ناصعًا في سجلات الزمن ودفاتر الأيام، فحافظ أهل نجد على ما يهم المسجد في كل زمان ومكان، فدونوا في أوراقهم ووصاياهم وأوقافهم عبر القرون الماضية إشارات مهمة أعطت دلالة تاريخية من جانب غير مرئي ومهم لقارئ التاريخ لكشف أعمالهم الفاضلة ومحبتهم للخير. ويعني هذا الكتاب بمساجد الدرعية وأوقافها القديمة مع الحديث عن الأعمال الخيرية وأوقافها الشرعية التي جرت في وفاة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل (ت 1373هـ)، لما لهذه البلاد من أثر عظيم على الجزيرة العربية وبلاد الإسلام، كونها احتضنت الانطلاقة التوحيدية التي قام بها الإمام محمد بن سعـود، ودعا إليها الشيخ محـمد بن عبد الوهاب، بدءًا من عام 1157هـ/1744م. فاستحقت هذه البلاد الصدارة والقمة؛ لما مثلته من رمز
للوفاء ودوام للعطاء وينبوع للفضائل وموطن للمحاسن، وكل ذلك وافق استشعار قادتها لعظم الرسالة وصدق الأمانة مع رجالها ومخلصيها ومؤيديها، وصولاً لمستقبل نعيشه ونتلمس أثره، فكان امتداد ماضيه موصولاً برابطة زمانية مضيئة، كون التاريخ سلسلة مترابطة توجب الاعتبار والادكار بحيث أصبح ما كان في الماضي حلمًا يراود مصلحيه، أصبح اليوم واقعًا تنعم باستقراره وعطائه، فوجب علينا الحفاظ عليه مع شكر نعمته وأمنه، وكريم فضله سعيت في هذا الكتاب إلى العمل على تتبع أماكن وأسماء المساجد وأوقافها عبر حقب زمنية طويلة. والعقبات قد تعتري أمثال هذه الأعمال التوثيقية لأسباب عدة، منها: فقد وثائق المدينة، ولاسيما ما كان قبل سقوط الدولة السعودية الأولى عام 1233هـ، إضافة إلى ندرة التدوين في تاريخ هذه المنطقة.
انتهجت في تتبع المساجد والأماكن بطريقة الوقوف عليها، والاستعانة بعارفي البلد وأهله، ثم تطبيق الوثائق التاريخية في تحقيق صحة الأماكن والمساجد والأوقاف على أرض الواقع.
اجتهدت وحاولت ما استطعت في جمعه وترتيبه، ولا يلام المرء بعد اجتهاده ومع ذلك كله يقع فيه الخلل والنقص والخطأ.
حددت انطلاق تاريخ هذا التوثيق للحقبة الزمنية لها، بأن تحصر المساجد وأسمائها وأوقافها منذ النشأة حتى عام 1373هـ، وهي السنة التي توفي فيها موحد هذه البلاد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل، قدس الله روحه. كما أنّ هذه الحقبة التاريخية حافظت فيها بلاد المنطقة النجدية عمومًا وبلاد العارض على وجه الخصوص على تراثها العمراني المتمثل في الطراز الطيني القديم، وقبل دخول وسائل البناء الحديثة. وجعلت هذا العمل في عدة فصول:
الأول: مقدمة في تعريف المسجد وفضله وأهميته. - الثاني: إنشاء المساجد وطرق بنائها في بلاد العارض والدرعية قديمًا.
الثالث: مقدمة تاريخية عن الدرعية. الرابع: المساجد في الدرعية.
الخامس: الأوقاف العامة في الدرعية. السادس: الأوقاف الخاصة والوصايا المتعلقة بأوقاف
الدرعية.
وإذا كان من خاتمة منصفة فهي لأهل الفضل، ولا بد أن يشكروا ويذكروا، ويأتي على رأس هؤلاء خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، ملك المؤرخين الذي أسهم بحظ زاهر ونصيب وافر في تذليل العقبات وتسهيل الصعوبات للمؤلف، وذلك في كثير من النواحي، بدءًا من اهتمامه التاريخي من خلال المناقشات معه وملاحظاته القيمة أيده الله أو من خلال أوامره الكريمة بتسهيل الإفادة والاطلاع على سجلات محكمة الدرعية، والجهات البحثية كدارة الملك عبدالعزيز، فلا أنسى فضله وعنايته وتوجيهه، حفظه الله تعالى. كما أشكر كل من أسهم بتقديم معلومة أو وثيقة أو إشارة تخص هذا البحث».
وقد دعم د.العساكر كتابه بمجموعة من الصور الملونة القديمة والحديثة، إلى جانب صور أخرى نادرة، إلى جانب مجموعة من الوثائق التي تخدم موضوع الكتاب، ويمثل هذا الكتاب بمادته الثرية، وموضوعاته الدسمة، ميدانًا خصبًا للباحثين، ودارسي المراحل العليا في أقسام التاريخ في الجامعات للبحث فيها والاستفادة من خبرات المؤلف في هذا الميدان المهم.