عبدالوهاب الفايز
الأمر الإيجابي للوحدة الوطنية رؤية أصحاب السمو أمراء المناطق وهم يضعون تحصين الجبهة الداخلية فكريًا وثقافيًا وإعلاميًا في أولوياتهم، وهذا ما نراه في كل مناطقنا، فالأمراء يحرصون على تبني المبادرات النوعية الجديدة التي تكمل وتدعم الموجود في المناطق الأخرى.
في سياق هذا الحراك، سعدنا الأسبوع الماضي بحضور حفل تكريم الفائزين بـ(جائزة صناعة المحتوى الرقمي في وسائل التواصل الاجتماعي) في منطقة القصيم، وسعدنا أكثر أن نرى صناع (المحتوى الرقمي الوطني الإيجابي النافع) من مختلف مناطق المملكة يتم اختيارهم وتكريمهم.. وهذه الجائزة هي المبادرة الثالثة التي يطلقها الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز أمير منطقة القصيم، فقد سبقها إطلاق حملة (معاً ضد الإرهاب والفكر الضال) في مايو 2015م، وفي نوفمبر 2019م أطلق (برنامج تعزيز الأمن الفكري).
هذه المبادرات مؤشر على حيوية وأهمية المشاريع التي تنطلق من المناطق، وتستهدف القضايا والتحديات والاحتياجات على المستوى الوطني. وتعكس أيضاً حرص الأمراء على تفعيل الجهود المحلية حتى تنضج وتتكامل في تطوير المبادرات المتنوعة التي ترقى إلى التحديات والاحتياجات الوطنية. وتكامل الجهود يعكس عمق الإحساس بأهمية الوحدة الوطنية، والأجمل أن تجد بلادنا حاضرة في ناسها وتنوعها الثقافي والتراثي والطائفي في كل منطقة.
الجائزة في القصيم نوعية، والاهتمام بالمحتوى الرقمي ينطلق من الهم الوطني لدى الأمير فيصل بن مشعل بن سعود، فالأمير لديه اهتمام خاص بالطروحات الفكرية والإعلامية، وهو متابع مثابر لما يطرح في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، ودائمًا يبدي قلقله وخوفه من المحتوى السيئ الذي تتعرض له الأجيال الجديدة، وفي اللقاءات والمناسبات المتعددة معه يبدي اهتمامًا خاصًا بهذا الموضوع.
المبادرة لتخصيص جائزة وطنية لتحفيز المحتوى الرقمي النافع وتكريم رواده ومشاريعه الناجحة خطوة تستحق الثناء، والأهم تستحق تكاتف الجهود لدعمها وتطويرها بمشاريع نوعية توسع مجال اهتمامها ونطاق عملها. احتواء مخاطر التواصل الاجتماعي ضرورة في المرحلة الراهنة بعد أن تأكدت خطورتها على تشكيل وعي الأجيال الصغيرة، وخطورتها على السلام الاجتماعي، فالضرر من التواصل الاجتماعي يتم توثيقه علميًا بالدراسات والأبحاث النفسية والاجتماعية. والحاجة إلى هذه الدراسات سوف تتزايد لمعرفة التأثيرات النفسية والفكرية والسلوكية مع توسع الإقبال على وسائط التواصل الاجتماعي.
حاليًا يستخدم أكثر من نصف العالم هذه الوسائل، أي (58.4 %). والإقبال الكبير المتنامي نجد المؤشر عليه في عدد المشتركين الجدد، فقد انضم 424 مليون مستخدم جديد إلى الإنترنت خلال الأشهر الـ12 الماضية. أما متوسط الوقت الذي يقضيه الفرد يوميًا في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي هو ساعتان و27 دقيقة.
ارتفاع حالات الإدمان على المحتوى الرقمي يشكل مصدر القلق الأكبر للحكومات وللشعوب، بالذات الخطر الذي يجلبه على الأطفال. هناك حكومات تسعى إلى وضع تشريعات صارمة تحد من تداول هذه الوسائط على الأطفال. على سبيل المثال، يدرس البرلمان البريطاني حظر الشبكات الاجتماعية إذا لم يتم منع الأطفال من الوصول إلى المحتوى الذي يروج لإيذاء النفس والانتحار. فالمحتوى المشجع لإيذاء النفس، ومحتوى الأفكار الانتحارية مشكلة تتزايد مع تعرضنا للمحتوى الضار.
تجار ومشاهير المحتوى الرقمي الخاوي من الفائدة للناس والمجتمعات سيكونون في ازدياد، فالتلاعب بعواطف ومشاعر الناس أصبح المجال الخصب للثراء السريع، وسيكون منطقة الجذب للاستثمارات بعد انكشاف تنامي ثروات ملاك شركات منصات المحتوى، وأيضًا تنامي ثروات مشاهير التواصل الاجتماعي الاستهلاكي.
الباحثون يحرصون على تقصي الآثار السلبية للتواصل الاجتماعي على الصغار في موضوعات عدة، ويأتي في مقدمتها الأضرار النفسية، مثل الاكتئاب أو القلق أو الغيرة، وأخرى مثل إضاعة الوقت والطاقة والمال بالإضافة إلى المحتوى الذي يزعج المستخدمين، سواء كان عنيفًا أو جنسيًا أو فاحشًا. وهناك المحتوى الرقمي الذي يستهدف التأثير السياسي، أي استهداف الأمن القومي للدول، والحرب في أوكرانيا تشهد تطبيقات عملية لاستخدام حسابات التواصل في الحرب النفسية.
ربما نتساءل جميعًا: ما الذي بيدنا عمله لحماية مجتمعنا؟
الذي بيدنا هو تبني المبادرات النوعية الواعية بالمشكلة والحل، مثل جائزة القصيم. أيضًا نحتاج مبادرات استباقية وقائية تخدم توجهنا الوطني لاحتواء مخاطر التواصل الاجتماعي بطريقة عملية واقعية. ثمة مبادرة سبق الدعوة لها هنا في هذه الجريدة. لقد اقترحنا إنشاء (شركة إعلامية استثمارية غير ربحية وطنية) تجمع تحتها العدد الأكبر للإعلاميين السعوديين، من مختلف الأعمار، وممن تربوا في مسيرتهم الإعلامية على الوسطية والاعتدال. هذا الكيان، سوف يكون (قاطرة الإعلام المحلي والخارجي)، وأيضًا سوف توفر بناء منصات المحتوى الرقمي الواسع الموجه لخدمة جميع الاحتياجات المحلية الإعلامية.
أيضًا نحتاج تنظيم ورش العمل في المدارس والجامعات يتم عبرها تشجيع الطلاب على إجراء المقارنات بين المحتوى النافع والضار، وتشجيع الطلاب على إنشاء الحسابات بحيث تتيح لهم إنتاج المحتوى النافع، وتدريبهم على إدارة هذه المنصات والرقابة على محتواها. بالنسبة للحكومة أهم أمر هو إعادة هندسة المجتمع لأجل تقليل السهر وإدخال الأنشطة التي تنمي مهارات الحياة، وإشغال الطلاب والمراهقين بالأنشطة التي تنميهم ذهنيًا وتستهلك طاقتهم البدنية مما يساعد على النوم المبكر، وهذا هو: الجهاد والهم الأكبر لنا جميعًا!