عطية محمد عطية عقيلان
من أكثر الحيل التسويقية لجذب المستهلك والتي تستخدمه الشركات، وضمه لعملائها كلمة «مجانا» وقرنها سواء بخدمات أو هدايا أو صيانة أو تجربة أو اشتراك، وبما أنها مجانا تجد تأثيرا نفسيا وتقبل المستهلك وإقباله عليها، سواء كان يحتاجها أو لا، ولكن فكرة أنها مجانية، فلا ضير من ذلك، علما أن هناك مثلا أمريكيا شهيرا «لا يوجد شيء اسمه غداء مجاني»، أي أن لكل شيء مجاني، ثمنا تدفعه مقابل ما حصلت عليه، فالغداء المجاني الذي تعتقد أنه بلا ثمن، قد يكون دافعه أن يؤثر فيك سواء في تقبل منتج أو إعطاء صوت أو رأي إيجابي حول ما يتم طرحه أو يراد إقراره، لأن المثل العربي يقول «أطعم الفم تستحي العين»، أي أن ثمن الأكل المجاني هو تغاضيك عن المساوئ التي تراها بعينك أمامك، وهذه الحيل التسويقية والتأثير على الرأي العام من خلال خدمات مجانية وهدايا، أنتهجتها الشركات الكبرى والدول، من خلال تبني برامج ومحطات فضائية تقدم خدماتها بالمجان وللجميع من أجل جذبك وطرح ما تريد أن تقتنع به وتتبناه ومن ثم تؤمن به، والمفارقة أن الدول الكبرى تدفع ملايين الدولارات في سبيل إنشاء محطات وتوجيهها للبلاد المستهدفة ومخاطبتها بنفس لغتها ومن تقديم أبناء هذه الدول المستهدفة وهدفها أن تطرح رأيها وتدعمه بما يؤثر عليك، والطريف أن أغلب هذه الدول لا تبث هذه القنوات في دولتها، بل تمنع الإعلانات فيها خوفا من أن يتسرب من خلالها ما يتعارض مع طرحها.
لذا عزيزي القارئ ليس هناك شيء مجاني يقدم من الشركات ووسائل التواصل الاجتماعي، فقد نرى بنظرة سطحية، أنه لا يكلفنا أي ثمن، ولكننا قدمنا لهم خدمة لا تقدر بثمن من خلال معرفة عاداتنا الشرائية واليومية ومن ثم تحليلها وبناء خططهم التسويقية لجذبنا، ومن سافر لاحظ أن كثيرا من الأسواق أو المحلات التجارية تقدم خدمة الإنترنت مجانا لمرتاديها في مقابل الدخول والتسجيل في موقعها، لتتحول بعدها إلى عميل مستهدف تصلك رسائل يومية على إيميلك وهاتفك عن العروض والخدمات، لتكتشف أن هذه الخدمة المجانية بالنت، كان هدفها الوصول إلى معلوماتك لتسهيل التواصل معك وتقديم العروض، على أمل أن تكون عميلا وتنظما إلى قائمة زبائهنا، وفي علاقاتنا العادية نلاحظ أن هناك من يستسهلون طلب الخدمات أو تحصيل كل شيء ببلاش أو بدون أن يسهم سواء في الجمعات أو الطلبات، وبعد فترة يحاول الجميع تجنبه أو أضعف الإيمان، لا يدعونه ولا يتحرجون بالتعليق عليه وطلب خدمات دون اعتبار أو تقدير له، علما أن معرفة الرجال كنز لا يقدر بثمن، وكل صديق أو قريب لك ليس له ثمن في الحياة ولا تقاس العلاقة معه بحجم الفائدة، مع التأكيد على أن كثرة الطلبات والالحاح ومحاولة الاستفادة منهم، له أثر سلبي في تنفيرهم منك وتجنبك، فلنحاول أن تكون العلاقة متوازنة وخفيفة لطيفة، وأجمل العلاقات وأدومها التي فيها أخذ وعطاء، بعيدا عن حساب الربح والخسارة فقط، بل إن للبعد الإنساني والعاطفي والقرابة عاملا مؤثرا في تفعيل التغافل والتسامح معهم، وبعض الأشخاص في حياتنا لا يخضعوا لميزان الفائدة والربح والخسارة فغلاهم ومعزتهم ومحبتهم تطغى على أي فائدة أو مصلح، مع عدم الاغترار بالبلاش لأنه مع التجربة والأيام ستكتشف أنه مكلف وغال جدا، ونختم بهذا المثل «لا تغالي بالغالي، والردي بالبلاش غالي».