د.عبدالله بن موسى الطاير
لا تزال الأمنيات قائمة ببعث الربيع العربي من مدفنه، وتونس حيث كانت البداية على مفترق طرق؛ فإما أن تقبر الأمنيات إلى جوار الربيع، وتواصل المسير على طريق مصر، أو أن الأمنيات اليائسة ستتمكن من نبش ضريح الربيع لتستنبت رفاته في تونس من جديد. تونس أمام خيارين أحدهما السير في طريق مصر والتعجيل بالتعافي، أو تسليم أمنها واستقرارها ووحدة أراضيها للراعي الأيديولوجي للربيع العربي ليثبت نجاح المشروع، أو يرمي بتونس في فك المجهول لتلحق بليبيا وسوريا واليمن.
منذ أكثر من 11 عامًا هبت ريح الربيع العاتية على تونس فاقتلعت نظامها في النصف الأول من يناير 2011م، وتبعتها مصر فليبيا واليمن وسوريا. استطاعت مصر بمعجزة الخروج من دوامة الربيع ولعب الجيش المصري الدور الأهم في عملية استعادة مصر، بينما انجرفت ليبيا وسوريا واليمن نحو الفوضى غير الخلاقة.
حكاية الربيع تروى على مدار البث في نشرات وبرامج وتغطيات وحوارات «الراعي الإعلامي» للربيع العربي، و «المُخطِط» يتحسر على مشروعه الذي حشد له كل مقومات النجاح، ثم هوى فجأة إلى قاع الفشل. و»الراعي الأيديولوجي»، وهو «الإخوان المسلمين» يتواصل عبر شبكات التواصل الاجتماعي ويتحدث من بعض الملاذات السياسية الآمنة التي تسمح له بين الحين والآخر بتذكيرنا بأنه ما زال حيا. نفذ الراعي الأيديولوجي انقلاب إلكترونيا على الرئيس التونسي قيس سعيد الأسبوع الماضي مما عجّل بحل البرلمان التونسي، ووقوف قائد النهضة راشد الغنوشي أمام المحكمة بتهم قد تودي بما بقي من مستقبله السياسي.
جارد كوهين، الأب الروحي للربيع العربي، عمل مستشارا لكل من الجمهورية كونداليزا رايس، والديموقراطية هيلاري كلينتون، الأولى وزيرة خارجية في عهد الرئيس الجمهوري جورج بوش الابن، والثانية وزيرة خارجية في عهد الرئيس الديموقراطي باراك أوباما. هذا المستشار العابر للحزبين هو مؤسس برنامج «جيل جديد» التابع لمنظمة «فريدوم هاوس»، وهي مؤسسة مجتمع مدني غير منتمية حزبيا «تدعو القيادة الأمريكية بالتعاون مع الحكومات ذات التفكير المماثل إلى معارضة الطغيان والقهر الذي تمثله الحكومات الاستبدادية حول العالم، وإلى العمل على تعزيز الديمقراطية في العالم، وإسماع أصوات المناضلين من أجل الحرية ..الخ».
وقام برنامج «جيل جديد» على فكرة القفز على الأنظمة الحاكمة والتوجه إلى الشارع من أجل «إدارة ثورة عبر شبكات الإنترنت من خلال نشطاء في وسائل الإعلام المختلفة وعلى الأرض»، وعلينا في المملكة أن نتذكر حركة «حنين» التي جربت حظها في استهداف المملكة في 11 مارس 2011م، وأن نستعيد الأسماء التي شاركت فيها بحماس والتي دعمتها، وواصلت دعم الفكرة حتى عام 2014م، من خلال استهداف المؤسسات والمسؤولين السعوديين.
وبحسب بعض المصادر فقد أسس جاريد كوهين منظمة «تحالف حركات الشباب» برعاية وتمويل من وزارة الخارجية الأمريكية، وجهات حكومية وخاصة في أمريكا وخارجها، وأسس بوحي من هذا البرنامج ما عرف بأكاديميات التغيير، وأنشئت مراكز تدريب للشباب على قيادة الثورات في أكثر من موقع في الشرق الأوسط وأوروبا وأمريكا اللاتينية.
استعيد الكتابة في هذا التوقيت لأن هناك معركة تكسير عظام تجري في تونس، فالمخطط للربيع العربي ليس جمهوريا ولا ديموقراطيا وإنما نظام عابر للأحزاب؛ فجورج بوش الابن وهو الجمهوري العريق بدأ البرنامج في وزارة الخارجية، وباراك أوباما، الرئيس الديموقراطي نفذ المشروع، وكون الرئيس ترامب أوقف التدخل في شؤون الدول بتغيير أنظمتها، فإن ذلك لا يعني أن النظام قد تراجع عن مخططه، وإنما لأن الرئيس ترامب جاء من خارجه وقد كان وصوله خطأ يتعذر تكراره.
الراعي الأيديولوجي للربيع العربي ليسوا في أحسن حالاتهم، سواء داخل بلدانهم أو في دول المهجر، ولكن الراعيين الإعلامي والمالي قطعا عهدًا بعدم اليأس، ولذلك فإنهما في هذه الأيام يستثمران في أزمة تونس لعلها تقود إلى تصحيح مسار الربيع وتعيد بعثه من نقطة البداية ومكانها؛ تونس، خاصة بعد دعوة «النظام المخطط» إلى إسقاط الرئيس بوتين.
إن فشل محاولات إنعاش الربيع في تونس سوف تقضي على الأمل والأمنية الأخيرة للراعيين الإعلامي والمالي، وهي خسارة كبيرة لا يطيقانها، بعد أن راهنا بكل قوتهم وأموالهم على نجاح المشروع، وما زالوا يمنون نفوسهم من خلال الحراك الإعلامي والسياسي الذي يدفعون به نواب النهضة التونسيين إلى الواجهة من جديد.