عبد الرحمن بن محمد السدحان
* ويعود إلينا رمضان المحبة أو نحن نعود إليه، فتحتفل بقدومه أفئدتنا روحانيةً وفرحًا، وتغرِّد قلوبنا له تفاؤلاً به وطمعًا في مغفرة الرحمن!
* * *
* هكذا يكون احتفاءُ النفوس الطاهرة بقدوم هذا الشهر العظيم، كيْف لا، وقد اصطفاه ربُّ العزة والجلال بالفضل، فأنزل فيه القرآنَ هدىً للناس، وبيّناتٍ من الهدى والفرقان، وخصّه بليلة هي خيرٌ من ألف شهر تنزّل الملائكةُ والروحُ فيها، وحثَّ الناس على الإنفاقِ في أيامه ولياليه مِمَّا كسبُوا حلالاً طيبًا عطَاءً يزكّيهم، ويطَّهر أنفسَهم وأموالهَم!
* * *
* أجل.. أهلاً يا شهر القرآن.. هذه الوثيقةُ الربّانيةُ الخالدة التي حرّرتْ الخلقَ من رِقَّ الشهوات، و(أخلاقيات) الغاب!
* أهلاً بالشهر الذي أوله خيرٌ، وأوسُطه رحمه، وآخره عتقٌ من النار! وطُوبَى فيه للصائمين، والكاظمين للغيظ، والعافين عن الناس!
* * *
* أهلاً بك يا شهر المحبة والإيمان، ودعاءً من الأعماق بأن يعيدك الله على أُمتنا الإسلامية والعربية، وقد صار لها من أمرها شأنٌ أفضل، إيمانًا وقوةً وأمنًا وتضامنًا وعطاءً!
* * *
قبل أن أختمَ هذه الخاطرة الروحية، لا أملك دفْعَ هاجس ينازعني بإلحاح، كلما أطلّ علينا هذا الشهر الكريم، وهو شعور (الغربة) الذي يرافقُه منذ ميلاده حتى رحيله، متمثَّلاً في بعض أنماطِ التناقض بين روحانيّة الشهر وما ترمز إليه من قيم عليا، وبين سلوكيات بعض الخلق، وما تجسَّده من إثْرةِ ماديةٍ تكاد تنسيهم قدسيةَ الشهر، عَدا أنه (مناسبة) لإشباع حِسَّيات النفس ومتَاعها: مأْكلاً ومشربًا وترفيهًا! تحوَّلت روحانيةُ رمضان إلى (طقوس) تضمُّ تركيبةً غريبةً ليست من معاني الشهر في شيء! وأتساءل: ماذا بقي لنا من رمضان، إذا كان الناس فيه يمسكون عن الطعام والشراب، ولا(يمُسِكُون) عن إيذاء أنفسهم وغيرهم باللغوِ، ظَاهِره ومستترِه؟!
* * *
* ماذا بقي لنا من رمضان، إذا كان الفَقيرُ يشْقَى بفقره، والغني يزداد غنىً وإسرافًا في التعبير عن غناه، تحت شعار (التحدُّث بأنعم الله)! لستُ أنكر على الغنيّ غنَاه، ولا على الفقير فقرَه، فتلك قِسْمُة الله بين الناس، لكنني أنكر أن يكون المال مظلةً لسطوةِ الأنانيةِ، فلا يرحمُ أحدٌ أحدًا، أو أن يكون جدارًا عازلاً تموت في ظله نبتة البر والحب والإحسان في نفوس الناس!
* * *
وبعد..
* اللَّهم هَبْ لنا من لدنك رحمةً، تقْهرُ في نفوسنا سطوةَ التنكُّر لطهر النفس وعفة الوجدان، فنَشْعر أننا، بالمال وبدونه، بشرٌ خُلِقْنا من تراب، وإليه نعود!