لقد حل رمضان ليكون سلوة للنفوس، ومؤنسة للقلوب، وروضة للعقول، وعزاء لمن تلطخ بأوحال الذنوب. ها هو رمضان بأيامه البيض ليمحو بها صفحاتنا السود، وبلياليها الأنوار لكي يمنح لنا فرصة التوبة والاستغفار.
أيها الرمضان الكريم! لقد انتظرناك انتظار المشتاق، فجئت إلينا بعد غيبة وفراق. ومن منا لا ينتظر قدومك من كبارنا وصغارنا، أنت ضيف عزيز، وزائر لا يقدم علينا إلا مرة في العام، قدومك قدوم اليمن والخير والبركات، بما يحمله من هدايا ونفحات وعطايا وهبات.
تأتي أيام رمضان ليفتح الله برحمته أبواب الأجر والخير على عباده، وتكثر فيه سُبل اكتساب الحسنات، مع ما اختص الله به هذا الشهر العظيم من مضاعفة أجور الأعمال الصالحة، وما أروع ليل رمضان، يتقلب العبَّاد بين أنوار الساعات المباركة في ساعات رمضان، فتهتز قلوبهم من روعة المشهد ولذة الإيمان، فتنساب الدموع.
في هذا الشهر الكريم، نعيش في رحاب العتق من النار، فتعالوا بنا جميعاً إلى بستان التذكير والاعتبار، تعالوا بنا لنعيش في ظلال التوبة ومع التائبين. إن في شهر رمضان نجد استراحة نفسية نتخفف فيه من أعبائنا وهمومنا ونزيل من أحزاننا. هذا الشهر المبارك منحة ربانية نفارق فيه صنوف الرتابة والملل التي غشت أيامنا الماضية، وفي هذا الشهر المبارك تنطلق الروح في أجواء إيمانية وثورة نورانية في ظل القرآن والقيام والبر والإحسان.
وفي هذا الشهر الكريم تجتمع فيه معاني الصبر الثلاثة: الصبر على ألم الجوع والعطش، الصبر على اجتناب من المعاصي، والصبر على مواظبة الطاعات، والصبر كله خير، والصبر كله نور للحياة السعيدة كما قال الرسول عليه الصلوات والتسليم: «ما رزق عبد خيرًا له، ولا أوسع من الصبر».
إن للصيام أثراً عظيماً في الإخلاص والصبر، والخوف والرجاء، والبر والصلة، والذكر والمراقبة، والاستغفار والتوبة. فهذا الصوم الذي يربي الصائم على الإخلاص والتوبة والتزكية والاستغفار كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه».
يطل علينا هلال شهر رمضان، هلال الإيمان، هلال التوحيد والقرآن، هلال الجود والكرم، هلال الدعاء والرجاء، هلال السعي إلى الجنان والعتق من النيران، هلال شهر رمضان.