د.محمد بن عبدالرحمن البشر
عندما نتكلم عن الغذاء فنحن لا نتكلم عن الكافيار، أو استيك، أو استروبري، أو البلاكبيري، وغيرها من الأغذية المعدة للأغنياء في هذا العالم الفسيح، إنما نتحدث عن ذلك الغذاء للفرد الذي يكافح للحصول على قوت يومه اللازم والأساسي، والذي يعيشه عليه عدد هائل من شعوب الأرض في ظل الأزمات، ويمثلها هذه الأيام الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، وكانت الدولتان تنتجان كميات كبيرة من القمح، وفي نفس الوقت لديهما فائض من الإنتاج، تقومان بتصديره إلى الخارج، لا سيما دول الشرق الأوسط، ودول عربية أخرى، وهو بشكل عام لا يقل جودة عن أنواع القمح الأخرى التي تصدر من دول مختلفة، وهو أيضاً ينافس في سعره دول مصدرة أخرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، وأحيانا أستراليا، وعندما يكون الموسم جيداً والطقس مناسباً، فإن روسيا وأوكرانيا تدفعان بكميات كبيرة من القمح إلى الأسواق العالمية، ومنها الأسواق العربية، فتنخفض الأسعار بشكل يساعد الدول والشعوب على الحصول على ما تحتاجه من هذه السلعة المهمة والضرورية والأساسية، لكي يبقى الإنسان على وجه هذه البسيطة.
هنا نحن لا نتكلم عن السياسة، وإنما نتكلم عن الغذاء الضروري والبسيط الذي يعتمد عليه عدد كبير من سكان الأرض، لا سيما أن هناك دولاً لا تستطيع أن تنتج حاجتها من القمح فتضطر أن تشتري ما تحتاجه من القمح من دول أخرى لديها فائض تقوم بتصدير إلى تلك الدول، والدول العربية تعد في قائمة الدول التي لديها نقص كبير في كميات القمح الذي يمكن إنتاجه داخل البلاد، بسبب عوامل كثيرة، ولهذا أصبح لزاماً عليها الاستيراد من الخارج، وعندما تجد هذه الدول نفسها فجأة في حدث لم يكن في الحسبان، أصبح عليها أن تتخذ إجراءات عاجلة، وسريعة، واحتياطات بما يمكن فعله للتغلب على هذا الظرف الجديد المتعلق بقوت معظم الشعوب، وعليه فإن الكثير من هذه الدول اتخذت بعض التدابير التي تأمل أن تساعدها على تجاوز هذه الأزمة التي تتمنى شعوب الأرض جميعاً وقادتها أن تنتهي على خير، وأن يتحقق السلام، ويعم العالم أجمع.
لو نظرنا إلى جميع الدول العربية لوجدنا أن هناك فقراً في إنتاج القمح، وإن من أسباب قلة الإنتاج، عوامل كثيرة على رأسها المناخ، والتربة، وشح المياه، وغيرها من العوامل، ناهيك عن الأوضاع السياسية والصراعات المحلية الموجودة، والتدخلات الخارجية، فتتوجه مقدرتها إلى الصراعات بالإضافة إلى ما ذكر، فإن الأساليب الزراعية المتبعة، وصعوبة توفر الآلات والمعدات اللازمة لإصلاح الأرض، وكذلك توفير الأسمدة اللازمة، والبذور الجيدة، كل هذه العوامل مجتمعة جعلت الدول العربية تشكل أكثر منطقة في العالم تقريباً، تستورد القمح من أي مصدر كان ويشكل القمح نسبة لا بأس بها في ميزانية هذه الدول، وأيضا تعمل على استنزاف العملات الصعبة التي هي في الأساس قليلة، لهذا فإنها سوف تعاني هذه الأزمة أكثر من غيرها من الدول.
عندما وقع ما وقع وقل الامداد، وارتفعت الأسعار، وأصبح الناس في حيرة مما سيحدث في المستقبل، اتخذت دول بعض القرارات، منها عدم تصدير بعض المنتجات، مثل الذرة، والشعير، وبعض الزيوت، والخضراوات، وهي محقة في ذلك، وهناك أيضا من اتخذ خطوات البحث عن مصدر آخر للقمح من دول أخرى، قبل أن يسبقه إليها غيره، أو أن ترتفع الأسعار بشكل دائم، وهناك دول قد حالفها الحظ فوصلت الشحنات التي تم الاتفاق عليها مع أوكرانيا أو مع روسيا بالفعل، قبل أن يقع ما وقع، مثل المملكة المغربية، التي سبق أن تعاقدت مع أوكرانيا على صفقة من القمح، ومن حسن الحظ أن الكمية المتعاقد عليها قد وصلت إلى المغرب في الوقت المناسب قبل الحدث بأسبوعين، لكنها أيضا ستعاني لو أرادت أن تشتري في المستقبل، لأنه سوف يدفع سعراً أعلى، ومن حسن الحظ أيضا للمغرب، أن لديه مخزوناً من القمح يكفي لمدة خمسة أشهر، وغالباً فإن الدول في مجملها تحتفظ بكمية من المخزون الإستراتيجي، تختلف طبقاً لسياسة الدول، وامكاناتها، فهناك دول يكون لديها المخزون الإستراتيجي يكفي لمدة عام كامل، والأغلب يكون لديه كمية تكفي لمدة ستة أشهر، أما الدول التي إمكاناتها المادية محدودة، فإنها تحتفظ بمخزون إستراتيجي لمدة أربعة أشهر فحسب من سلعة إستراتيجية مهمة، وليس جميع السلع، وعلينا أن نعرف أن السلع الإستراتيجية تعتمد على غذاء الشعوب، وفي الغالب فإن المحاصيل مثل القمح والأرز والذرة والشعير، تعد المحاصيل الإستراتيجية، الذي تحتفظ الدول بكمية منها، ودول مثل إفريقيا يعتمد غذاؤها على الذرة تكون هي الأساس في المخزون، بينما نجد الدول العربية تعتمد على القمح، ودول الشرق على الأرز، وعلى العالم أن يدعو الله أن يعم السلام، وأن يكون المستقبل أكثر اشراقاً.